وَجَدَ عَبْدًا كَانَ لَهُ فَأَبَقَ إلَيْهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنْ الْجُنْدِ أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَبَقَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْغَنِيَّةِ فَخَاصَمَ فِيهِ الْمَالِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ: إنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت» وَعَنْ الْأَزْهَرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَمَةً لِقَوْمٍ أُبْقِيَتْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا مَوْلَاهَا فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَرَدَّ جَوَابَهُ إنْ وَجَدَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهَا وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ مَضَتْ الْقِسْمَةُ وَلِأَنَّ الْآبِقَ يَمْلِكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ أَوْ كَالدَّابَّةِ إذَا نَدَتْ إلَيْهِمْ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورِثِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَيَمْلِكُ بِالضَّمَانِ حَتَّى إذَا كَانَ مَغْصُوبًا فَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ وَيَمْلِكُ بِالْهِبَةِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَبِالْبَيْعِ مِمَّنْ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلتَّمْلِيكِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ آبِقُهُمْ إلَيْنَا فَإِنَّمَا نَمْلِكُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ فَكَذَا آبِقُنَا إلَيْهِمْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَسْبَابِ إصَابَةِ الدُّنْيَا وَعَلَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ: لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُحْرِزُوهُ وَيَعْنِي أَنَّهُ صَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَهِيَ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَتَكُونُ دَافِعَةً لِإِحْرَازِ الْمُشْرِكِينَ إيَّاهُ كَيَدِ الْمُكَاتَبِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى زَالَتْ عَنْهُ حَقِيقَةً بِالْإِبَاقِ وَحُكْمًا بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُسْلِمِ يَدٌ عَلَى مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا كَمَا لَا يَثْبُتُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ الْيَدُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَخْلُفْهُ الْآخَرُ إمَّا لِأَنَّهُ حِينَ انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْحَرْبِ فَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى وَلَا تَثْبُتُ يَدُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ لِأَنَّ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ حِسًّا لَا حُكْمًا فَمَا لَمْ يَأْخُذُوهُ لَا تَثْبُتُ يَدُهُمْ عَلَيْهِ فَصَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ الْيَدُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا تَوَكَّلَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ حَبْسَهُ بِالثَّمَنِ لِثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ يَدُ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْيَدُ لَا إلَى مَنْ يَخْلُفُهُ تَثْبُتُ الْيَدُ لَهُ فِي نَفْسِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْيَدِ الْمُحْتَرَمَةِ يَبْقَى هُوَ مُحْرِزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْيَدِ.
وَمَا بَقِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute