للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالُ مُحْرِزًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إحْرَازُ الْمُشْرِكِينَ إيَّاهُ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُحْرِزُوهُ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ صَارَ قَابِضًا لَهُ فَبَقَاءُ الْمَانِعِ حُكْمًا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْيَدِ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَيُتِمُّ إحْرَازُ الْمُشْرِكِينَ إيَّاهُ فَأَمَّا الْآبِقُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ قَاضِي الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إذَا نَدَتْ إلَيْهِمْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ أَنْ تَثْبُتَ لَهَا الْيَدُ فِي نَفْسِهَا وَبِخِلَافِ آبِقُهُمْ إلَيْنَا لِأَنَّ يَدَهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَيُتِمُّ إحْرَازُ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ وَبِخِلَافِ التَّمَلُّكِ بِالْإِرْثِ وَالضَّمَانِ فَإِنَّهُ تَمَلُّكٌ حُكْمِيٌّ يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ قَصْدًا بِسَبَبِهِ كَالْخَمْرِ وَالْقِصَاصِ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَالدَّيْنُ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَالضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ بِالْقَهْرِ وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْإِحْرَازُ قَدْ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَالضَّمَانِ وَلَا يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْآبِقَ لَمْ يَكُنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ حَتَّى خَرَجُوا إلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وَأَحْرَزُوهُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْإِمَامُ يُعَوِّضُ لِمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ اسْتَحَقَّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شُرَكَائِهِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِتَفَرُّقِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ فَيُعَوِّضُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَضَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يَتَعَذَّرُ قَسْمُهُ كَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ يُوضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَحِقَ غُرْمٌ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغُرْمَ يُقَابَلُ بِالْغُنْمِ وَهَكَذَا يُقَالُ عَلَى أَصْلِ الْكُلِّ.

إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ مُكَاتِبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَيُعَوِّضُ الْإِمَامُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا.

فَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَقَ إلَيْهِمْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَغْرَمُ لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا مِمَّا أَدَّى لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالْفِدَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْسُورًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهُ بِالْتِزَامِ الْخُسْرَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدُ بِعِوَضٍ وَهُوَ مَا أَدَّى مِنْ الثَّمَنِ فَيَبْقَى حَقُّهُ مَرْعِيًّا فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ قَدْ وَهَبُوهُ لِرَجُلٍ أَخَذَهُ مِنْهُ مَوْلَاهُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مَرْعِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>