للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْإِمَامُ نَصَّبَ نَاظِرًا فَرُبَّمَا يَكُونُ النَّظَرُ فِي قَتْلِهِمْ لِمَعْنَى الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ لِلْعَدُوِّ وَلِيَأْمَنَ الْمُسْلِمُونَ فِتْنَتَهُمْ وَرُبَّمَا يَكُونُ النَّظَرُ فِي قِسْمَتِهِمْ لِيَنْتَفِعَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَيَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ الْأَنْفَعُ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ بِدُونِ رَأْي الْإِمَامِ لِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى رَأْيِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْآسِرُ فِتْنَةً فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ مَنْ أَسَرَهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ صَاحِبِهِ فَيَقْتُلُهُ» وَإِنْ كَانَ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَسِيرَ مَا لَمْ يُقَسِّمُ الْإِمَامُ مُبَاحُ الدَّمِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَقَتْلُ مُبَاحِ الدَّمِ لَا يُوجِبُ ضَمَانَهُ فَإِنْ أَسْلَمُوا لَمْ يَقْتُلْهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لِدَفْعِ فِتْنَةِ الْكُفْرِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهُ يُقَسِّمُهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِيهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقِسْمَةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ثَبَتَ فِيهِمْ بِالْأَخْذِ وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الرِّقِّ وَالْقِسْمَةُ لِتَعْيِينِ الْمِلْكِ لَا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِسْلَامُهُمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَلَكِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَمَانًا فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ كُنَّا أَمِنَّاهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ثَبَتَ فِيهِمْ فَلَا يُصَدَّقُونَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا إقْرَارٌ لَا شَهَادَةَ فَإِنَّهُمْ أُخْبِرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ كَانَ مُتَّهَمًا فِي خَبَرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ وَإِنْ شَهِدَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ عَلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ أَسَرُوهُمْ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ الْجُنْدِ فَفِي شَهَادَتِهِمْ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ الْجُنْدِ فَلَيْسَ فِي شَهَادَتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ وَإِذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ فَالثَّابِتُ بِالشَّهَادَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً.

وَلَا يُقْتَلُ الْأَعْمَى وَلَا الْمُقْعَدُ وَالْمَعْتُوهُ مِنْ الْأَسَارَى لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ يُقَاتِلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: ١٩٣] وَالْمُفَاعَلَةُ تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَمَّا «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مَقْتُولَةً قَالَ: هاه مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ مِنْ الْأَسَارَى مَنْ يُقَاتِلُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالْمَعْتُوهُ لَا يُقَاتِلُونَ أَحَدًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَارِضًا فَقَدْ انْدَفَعَ بِالْأَسْرِ فَلَا يُقْتَلُونَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ مِنْهُمْ إذَا قَاتَلَتْ فَأُسِرَتْ لَا تُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَلَا بَأْسَ بِإِرْسَالِهِ الْمَاءَ إلَى مَدِينَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِحْرَاقِهِمْ بِالنَّارِ وَرَمْيِهِمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَطْفَالٌ أَوْ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَسْرَى أَوْ تُجَّارٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِهَذَا الصُّنْعِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>