ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكَ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ فَلَوْ اعْتَبِرْنَا هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَإِنَّ حُصُونَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ قَلَّ مَا تَخْلُو مِنْ مُسْلِمٍ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ وَكَمَا لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِمَكَانِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ فَكَذَلِكَ لِمَكَانِ الْمُسْلِمِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَنْعُ هَذَا وَقَدْ رَوَيْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ وَأَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنْ يُحَرِّقَ وَحَرَّقَ حِصْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ» وَكَذَلِكَ إنْ تَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِالرَّمْيِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ الرَّامِي يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ فَرْضٌ وَتَرْكُ الرَّمْيِ إلَيْهِمْ جَائِزٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْقِتَالُ مَعَهُمْ فَرْضٌ وَإِذَا تَرَكْنَا ذَلِكَ لِمَا فَعَلُوا أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ وَلِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الرَّمْيِ لِمَا أَنَّهُمْ تَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجْتَرِئُونَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَرُبَّمَا يُصِيبُونَ مِنْهُمْ إذَا تَمَكَّنُوا مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ إلَّا أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ الرَّامِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْحَرْبِيَّ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ فِعْلًا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَيِّزَ بِقَصْدِهِ لِأَنَّهُ وَسِعَ مِثْلَهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ فِيمَا أَصَابَ مُسْلِمًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُ إصَابَةٌ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ مَعَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَالْمُبَاحُ مُطْلَقًا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَلَا دِيَةً وَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ ذَلِكَ وَيَقُولُ هَذَا قَتْلُ خَطَأٍ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكَافِرَ فَيُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَهَذَا هُوَ صُورَةُ الْخَطَأِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ حَالِ مَنْ يُصِيبُهُ عِنْدَ الرَّمْي لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ خَطَأً بَلْ كَانَ مُبَاحًا مُطْلَقًا.
وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَلَهُ فِي أَيْدِيهِمْ جَارِيَةٌ مَأْسُورَةٌ كَرِهْتُ لَهُ غَصَبَهَا وَوَطْأَهَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا عَلَيْهِ وَالْتَحَقَتْ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ فَلَوْ غَصْبَهَا مِنْهُمْ أَوْ سَرَقَهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِلْأَمَانِ وَقَدْ ضَمِنَ أَنْ لَا يَغْدِرَ بِهِمْ وَلَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا عَلَيْهِ فَهُوَ إنَّمَا يُعِيدُ مِلْكَهُ إلَى يَدِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِمِلْكِهِمْ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِلْأَمَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا كَانَ عَلَيْهِمْ رَدُّهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَأْسُورًا فِيهِمْ لِمَ أُكْرِهْ لَهُ أَنْ يَغْصِبَ أَمَتَهُ أَوْ يَسْرِقَهَا لِأَنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانٌ وَلَكِنَّهُ مَقْهُورٌ فِيهِمْ مَظْلُومٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute