وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الشُّرُوعِ، فَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا فَقَضَى بَعْضَهَا قَائِمًا وَبَعْضَهَا قَاعِدًا أَجْزَأَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ أَوْ نَحْوُهَا قَامَ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ» فَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ الْقُعُودِ إلَى الْقِيَامِ وَمِنْ الْقِيَامِ إلَى الْقُعُودِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي التَّطَوُّعِ.
قَالَ: (وَإِذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ)؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَمْ يَصِحَّ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ وَالْإِتْمَامِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ (وَإِنْ افْتَتَحَهَا نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ حِينَ تَحْمَرُّ الشَّمْسُ أَوْ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا شُرِعَ فِيهَا، وَإِنْ قَطَعَهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ بِالشُّرُوعِ فِي صَوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ، لَعَلَّهُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمَنْهِيَّ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ بِالشُّرُوعِ هُنَاكَ يَصِيرُ صَائِمًا مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ، وَهَا هُنَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لَا يَصِيرُ مُصَلِّيًا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ وَارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ فِيهِ، وَلِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ إلَّا بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ، وَهَا هُنَا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَذْهَبَ الْوَقْتُ فَلِهَذَا أَلْزَمْنَاهُ الْقَضَاءَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ، وَالنَّذْرُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ يَصِحُّ فَكَذَلِكَ الشُّرُوعُ، فَأَمَّا النَّذْرُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَا يَصِحُّ وَهُنَا مَسَائِلُ.
إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عُرْيَانًا أَوْ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا يَلْزَمُهُ مَا سَمَّى فِي الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ وَمَا زَادَ فِي كَلَامِهِ فَهُوَ لَغْوٌ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ مَا سَمَّاهُ فِي نَذْرِهِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَهُ بِحَالٍ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِذَا سَمَّى مَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ تَلْزَمُهُ.
قَالَ: (وَإِنْ افْتَتَحَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ قَطَعَهَا ثُمَّ قَضَاهَا وَقْتَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَضَاهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
قَالَ: (وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلَةٌ ابْنَتَهَا أَجْزَأَهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا» قَالَ: (وَهِيَ مُسِيئَةٌ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهَا، وَأَدْنَى مَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِنْ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ (فَإِنْ قِيلَ:)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute