للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَفْعَلُ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ (قُلْنَا:) تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ سُنَّةً.

قَالَ: (وَإِنْ صَلَّى وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ) وَهَذَا إذَا كَانَ فِي فَمِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي فَمِهِ سُكَّرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَلِذَلِكَ إنْ كَانَ فِي كَفِّهِ مَتَاعٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الِاعْتِمَادَ أَوْ وَضَعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ. وَالْمُصَلِّي قَاعِدًا تَطَوُّعًا أَوْ فَرِيضَةً بِعُذْرٍ يَتَرَبَّعُ وَيَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ أَصْلِ الْقِيَامِ فَتَرْكُ صِفَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْعُدُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا يَفْعَلُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُؤَدِّي جَمِيعَ صَلَاتِهِ مُتَرَبِّعًا فِي حَالِ قِيَامِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَعَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَكُونَ أَيْسَرَ عَلَيْهِ.

قَالَ: (وَإِذَا صَلَّى فَوْقَ الْمَسْجِدِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ أَجْزَأَهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ وُقُوفُهُ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ بِحِذَائِهِ، فَإِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ افْتَتَحَهَا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَكَانَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(وَلَنَا) أَنَّ اقْتِدَاءَهُ وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَاهُ.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتٍ فِي قِبْلَتِهِ تَمَاثِيلُ مَقْطُوعَةُ الرَّأْسِ) لِأَنَّ التِّمْثَالَ تِمْثَالٌ بِرَأْسِهِ فَبِقَطْعِ الرَّأْسِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ تِمْثَالًا، بَيَانُهُ فِيمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُهْدِيَ إلَيْهِ ثَوْبٌ عَلَيْهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ فَأَصْبَحُوا، وَقَدْ مَحَا وَجْهَهُ» وَرُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ كَيْف أَدْخُلُ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ تِمْثَالُ خُيُولِ رِجَالٍ، فَإِمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُءُوسَهَا أَوْ تُتَّخَذُ وَسَائِدَ فَتُوطَأُ»، وَلِأَنَّ بَعْدَ قَطْعِ الرَّأْسِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ تَمَاثِيلِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ تِمْثَالُ ذِي الرُّوحِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ نَهَى مُصَوِّرًا عَنْ التَّصْوِيرِ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَهُوَ كَسْبِي قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فَعَلَيْكَ بِتِمْثَالِ الْأَشْجَارِ، وَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ مَنْ صَوَّرَ تِمْثَالَ ذِي الرُّوحِ كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ كَرِهْتُهَا فِي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِمَنْ يَعْبُدُ الصُّوَرَ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَبْدُو

<<  <  ج: ص:  >  >>