وَهِيَ لَا تُفْدَى، فَإِذَا كَانَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْأَرْشِ لَا يَثْبُتُ كَانَ هَذَا فِي حَقِّهِ، وَمَا لَوْ سَقَطَتْ الْيَدُ بِآفَةٍ سَوَاءٌ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْفِدَاءِ عَنْ الْمَوْلَى بِسَلَامَةِ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهَا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا لَمْ يَنْتَقِصُ شَيْءٌ مِنْ الْفِدَاءِ بِاعْتِبَارِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْبَدَلِ كَسَلَامَةِ الْأَصْلِ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الْبِنَاءِ سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا إذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي بَدَلُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا يُعْطِيهِ الشَّفِيعُ بَدَلٌ، وَمَا صَارَ مَقْصُودًا مِنْ الْأَوْصَافِ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ الْوَلَدَ أَخَذَ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْوَلَدَ فَاخْتَارَ الْأَخْذَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِتْلَافُ الْوَلَدِ كَإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَإِذَا بَقِيَ الْوَلَدُ فَبَقَاءُ الْجُزْءِ فِي حُكْمِ الْفِدَاءِ كَبَقَاءِ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هَهُنَا فِيمَا إذَا أَتْلَفَ الْأُمَّ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ أَمَةً مِنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى أَسَرَهَا أَهْلُ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهَا سَبِيلٌ حَتَّى يَأْخُذَهَا الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْأَسْرِ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا لِيَحْبِسَهَا بِالثَّمَنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْأَسْرِ هُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ لِيُعِيدَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ، وَإِذَا أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنَيْنِ جَمِيعًا الثَّمَنِ الْأَوَّلِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَالثَّانِي الَّذِي افْتَكَّهَا بِهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِمَا أَدَّى مِنْ الْفِدَاءِ إحْيَاءُ حَقِّهِ، وَكَانَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ إلَّا بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّى.
وَكُلُّ حُرٍّ أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ بِالْأَسْرِ فَكَانُوا ظَالِمِينَ فِي حَبْسِهِ فَيُؤْمَرُونَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَمْ يَمْلِكُوهُمْ لِمَا ثَبَتَ فِيهِمْ مِنْ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الْيَدِ الْمُحْتَرَمَةِ لِلْمُكَاتَبِ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يُمْلَكُونَ بِالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ بِالْأَسْرِ، وَلَوْ أَنَّ الْحُرَّ أَمَرَ تَاجِرًا فِي دَارِهِمْ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُعْطِيَ مَالَ نَفْسِهِ فِي عَمَلٍ يُبَاشِرُهُ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عِيَالِهِ، وَالْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ، وَأَمْرُهُ بِالْفِدَاءِ صَحِيحٌ فِي كَسْبِهِ كَأَمْرِ الْحُرِّ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِالثَّمَنِ إذَا أَعْتَقَا؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مِلْكُ مَوْلَاهُمَا، وَأَمْرُهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute