للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ تَمْتَدُّ إلَى الطُّهْرِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَاهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ سِوَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إنْ وَطِئَهَا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي آخِرِ الْحَيْضِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا شَاذًّا وَلَكِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ.

(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أَبُولُ دَمًا فَقَالَ: أَتَصْدُقُنِي قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إنَّك تَأْتِي امْرَأَتَك فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الْكَفَّارَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى الْجِمَاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَلَيْسَ لَهُ مَا تَحْتَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: ٢٢٢] فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْأَذَى وَذَلِكَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَرُوِيَ فِي الْكِتَابِ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَتْ: يَتَجَنَّبُ شِعَارَ الدَّمِ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ يَعْنِي الْجِمَاعَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ بَاقٍ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ وَحُرْمَةُ الْفِعْلِ لِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْأَذَى فَكُلُّ فِعْلٍ لَا يَكُونُ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْأَذَى فَهُوَ حَلَالٌ مُطْلَقٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْحَيْضِ وَقَاسَهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الِاسْتِمْتَاعِ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا فَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْآثَارُ صَارَ مَخْصُوصًا مِنْ هَذَا الظَّاهِرِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ.

وَرُوِيَ «أَنَّ وَفْدًا سَأَلُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْبُيُوتِ وَعَنْ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: أَسَحَرَةٌ أَنْتُمْ لَقَدْ سَأَلْتُمُونِي عَمَّا سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَلَيْسَ لَهُ مَا تَحْتَهُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ نُورٌ فَنَوِّرْ بَيْتَك مَا اسْتَطَعْت وَذَكَرَ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَفِي حَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ: كُنْت فِي فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحِضْت فَانْسَلَلْت مِنْ الْفِرَاشِ فَقَالَ مَالَك

<<  <  ج: ص:  >  >>