للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَفِسْت قُلْت: نَعَمْ قَالَ: ائْتَزِرِي وَعُودِي إلَى مَضْجَعِك فَفَعَلْت فَعَانَقَنِي طُولَ اللَّيْلِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ فَلْيَجْتَنِبْ مِنْ ذَلِكَ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَكَانَ هَذَا نَوْعَ احْتِيَاطٍ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَحِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَمُحَمَّدٌ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ وَقَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاتِّزَارِ حَقِيقَةَ الِاتِّزَارِ بَلْ الْمُرَادُ مَوْضِعُ الْكُرْسُفِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ التَّابِعِينَ اخْتِلَافٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ فَكَانَ إبْرَاهِيمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالسُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَكَانَ الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْمُرَادُ: أَنْ يَتَدَفَّأَ بِالْإِزَارِ وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَوْقَ الْإِزَارِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَ فِرَاشَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَرُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَعَلَ ذَلِكَ فَبَلَغَ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَاجِعُنَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ»

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى شَعْرِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا وَإِنْ اشْتَهَى لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَصِيرُ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَلِلْحَاجَةِ جَازَ النَّظَرُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ إنْ اشْتَهَى أَوْ كَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْمَسِّ فَمِقْدَارُ الْمَالِيَّةِ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِدُونِهِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ كَمَا قَرَرْنَا

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حُكْمَ غُسْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَحُكْمُ غُسْلِ أُمِّ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهَا وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ لَمْ يُغَسِّلُوهَا وَإِنْ كَانُوا مَحَارِمَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِابْنِهَا أَوْ أَبِيهَا أَنْ يُغَسِّلَهَا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ فِي حَقِّ الْمَحْرَمِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْجِنْسِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ وَبِالْمَوْتِ تَتَأَكَّدُ الْحُرْمَةُ وَلَا تَرْتَفِعُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ شَرْعًا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِهَذَا لَا يُغَسِّلُهَا الْمَحْرَمُ وَلَا غَيْرُ الْمَحْرَمِ وَلَكِنَّهَا تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ قَالَ تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ» وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ غُسْلُهَا لِانْعِدَامِ مَنْ يُغَسِّلُهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ غُسْلُهَا لِانْعِدَامِ مَا تُغَسَّلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْ يُيَمِّمُهَا مَحْرَمًا لَهَا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ لَهَا يَمَّمَهَا بِخِرْقَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى كَفِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمَسَّهَا فِي حَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>