للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَانِعَةٌ وَلَوْ زَالَ هَذَا الْمَانِعُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثَبَتَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ إذَا زَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَبَتَ مِنْ الْحِلِّ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ وَهُوَ حِلُّ الْغُسْلِ وَالْمَسِّ

وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ إذَا مَاتَ مَعَ النِّسَاءَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَسِّلْنَهُ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِعَوْرَتِهِ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُتْرَةٌ وَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَعْتُوهَةُ كَالْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا تُشْتَهَى

وَإِذَا حَضَرَ الْمُسَافِرَ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِي إنَاءٍ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ قَذِرٌ وَهُوَ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ مَرْضِيٌّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي أَمْرِ الدِّينِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مَا لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ أَيْضًا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَجُوزُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦].

(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١٨٧] وَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْبَيَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وُجُوبُ الْقَبُولِ مِنْهُ وَفَائِدَةُ الْقَبُولِ مِنْهُ الْعَمَلُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] وَاسْمُ الطَّائِفَةِ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا «وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ إلَى قَيْصَرَ لِيَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إلَى كِسْرَى وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كِتَابٌ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُلْزِمًا لَمَا اكْتَفَى بِبَعْثِ الْوَاحِدِ «وَبَعَثَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إلَى الْيَمَنِ» وَالْآثَارُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذَا بَعْضَهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِمَا يُخْبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ حَتَّى يُكْتَفَى فِيهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِالِاتِّفَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَغَالِبُ الرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا عِلْمَ الْيَقِينِ.

إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: هَذَا الْمُخْبِرُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَرْضِيًّا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ لِظُهُورِ عَدَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ دِينِهِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ وَاعْتِبَارَ تَعَاطِيهِ الْكَذِبَ وَارْتِكَابِهِ مَا يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي خَبَرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَبَيَّنُوا} [النساء: ٩٤] وَعِنْدَ الْمُعَارَضَةِ الْأَصْلُ فِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَيَتَمَسَّكُ بِهِ وَيَتَوَضَّأُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْأَخْذُ فِيهَا بِخَبَرِ الْفَاسِقِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَاكَ تَتَحَقَّقُ - فَالْعَدْلُ لَا يُوجَدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَلَا دَلِيلَ هُنَاكَ يُعْمَلُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ وَمَعَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>