أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مُنَازَعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي غَصْبِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَاسْتِرْدَادِ هَذَا فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ حُجَّةً وَفِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مُسَالَمَةٍ وَمُوَاضَعَةٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَيُعْتَمَدُ خَبَرُهُ إنْ كَانَ ثِقَةً وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ ظَلَمَنِي وَغَصَبَنِي ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ظُلْمِهِ فَأَقَرَّ لِي بِهَا وَدَفَعَهَا إلَيَّ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا وَقَبُولِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مُسَالَمَةٍ وَهُوَ إقْرَارُهُ لَهُ بِهَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَايَنَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ قَضَى بِالْمِلْكِ لَهُ فَيَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَعْتَمِدَ خَبَرَهُ إنْ كَانَ ثِقَةً وَفِي الْأَوَّلِ لَوْ عَايَنَ الْقَاضِي أَخْذَهَا مِنْهُ قَهْرًا أَوْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ كَانَ غَصَبَنِي وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خَاصَمْتُهُ إلَى الْقَاضِي فَقَضَى لِي بِهَا بِبَيِّنَةٍ أَقَمْتُهَا عَلَيْهِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ مُسْتَقِيمٍ وَهُوَ إثْبَاتُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ بِالْحُجَّةِ ثُمَّ الْأَخْذُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الْأَخْذِ بِتَسْلِيمِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ إلَيْهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ لَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ فِي هَذَا كَالْيَقِينِ.
وَإِنْ قَالَ: قَضَى لِي بِهَا الْقَاضِي وَأَخَذَهَا مِنْهُ فَدَفَعَهَا إلَيَّ أَوْ قَالَ: قَضَى لِي بِهَا وَأَخَذْتُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَذَا وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ أَخْذَهُ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَقِيمٌ صَالِحٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الْمُسَالَمَةِ مَعْنًى لِأَنَّ كُلَّ ذِي دِينٍ يَكُونُ مُسْتَسْلِمًا لِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ قَالَ: قَضَى لِي بِهَا فَجَحَدَنِي قَضَاهُ فَأَخَذْتهَا مِنْهُ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الْقَضَاءَ فَقَدْ جَاءَتْ الْمُنَازَعَةُ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْأَخْذِ فِي حَالَةِ الْمُنَازَعَةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي هَذَا لَا يَكُونُ حُجَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ سَبَبٌ مُطْلَقٌ لِلْأَخْذِ لَهُ كَالشِّرَاءِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتهَا وَنَقَدْته الثَّمَنَ ثُمَّ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ فَأَخَذْتهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ خَبَرَهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: جَحَدَنِي الْقَضَاءَ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْجَاحِدِ فَيَكُونُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ عِنْدَ جُحُودِ الْآخَرِ كَالْمَعْدُومِ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ بِالْبَيِّنَةِ يَبْقَى قَوْلُهُ أَخَذْتهَا مِنْهُ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضْتُهَا بِأَمْرِهِ وَنَقَدْتُهُ الثَّمَنَ وَكَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ مَأْمُونًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: إنَّ فُلَانًا جَحَدَ هَذَا الشِّرَاءَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مِنْهُ شَيْئًا وَاَلَّذِي قَالَ هَذَا أَيْضًا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَحَدَ الشِّرَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ تَحَقَّقَتْ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فِي الْأَمْرِ بِالْقَبْضِ وَعَدَمِ الْأَمْرِ وَالْجُحُودِ وَالْإِقْرَارِ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْجُحُودُ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ الثَّانِي غَيْرَ ثِقَةٍ إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يَتَأَيَّدُ بِأَكْبَرِ رَأْيِ السَّامِعِ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute