أَنَّهُ كَاذِبٌ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا مِنْهُ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ بِخِلَافِهِ فَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ كَانَ مَقْبُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ لَا بِطَرِيقِ الْيَقِينِ فَإِنَّ الْعَدْلَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ الْكَذِبِ فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُهُ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ كَانَ خَبَرُهُ كَخَبَرِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الثَّانِيَ صَادِقٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الثَّانِي ثِقَةً وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ أُمُورُ النَّاسِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ ذِي دِينٍ مُعْتَقِدٌ لِمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَتَتِمُّ الْحُجَّةُ بِخَبَرِ الثِّقَةِ لِوُجُودِ الِالْتِزَامِ مِنْ السَّامِعِ اعْتِقَادًا وَالتَّعَامُلُ الظَّاهِرُ بَيْنَ النَّاسِ اعْتِمَادُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَوْ لَمْ يُعْمَلْ فِي مِثْلِ هَذِهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ يُعْتَمَدُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَمَا جَعَلَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةً تَامَّةً لِدَفْعِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ
(قَالَ): أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ تَاجِرًا قَدِمَ بَلَدًا بِجَوَارٍ وَطَعَامٍ وَثِيَابٍ فَقَالَ: أَنَا مُضَارِبُ فُلَانٍ أَوْ أَنَا مُفَاوِضُهُ وَسِعَ النَّاسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَقْدَمُ بَلَدًا بِتِجَارَةٍ وَيَدَّعِي أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّ النَّاسَ يَعْتَمِدُونَ خَبَرَهُ وَيُعَامِلُونَهُ وَلَوْ لَمْ يُطْلِقْ لَهُمْ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّ عَامِلًا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْدَى إلَيْهِ جَارِيَةً فَسَأَلَهَا أَفَارِغَةٌ أَنْتِ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَكَتَبَ إلَى عَامِلِهِ أَنَّك بَعَثْت بِهَا إلَيَّ مَشْغُولَةً قَالَ: أَفَتَرَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ الرَّسُولِ شَاهِدَانِ أَنَّ عَامِلَك أَهْدَى هَذِهِ إلَيْك وَقَدْ سَأَلَهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا صَدَّقَهَا وَكَفَّ عَنْهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا لَوْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا فَارِغَةٌ لَمْ يَرَ بَأْسًا بِوَطْئِهَا
(قَالَ): وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ وَالظَّنِّ مُجَوِّزٌ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا كَالْفُرُوجِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَرَهَا فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْسَانٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ خَبَرَهُ إذَا كَانَ ثِقَةً أَوْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَيَغْشَاهَا وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ لَيْلًا وَهُوَ شَاهِرٌ سَيْفَهُ أَوْ مَادٌّ رُمْحَهُ يَشْتَدُّ نَحْوُهُ وَلَا يَدْرِي صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَنَّهُ لِصٌّ أَوْ هَارِبٌ مِنْ اللُّصُوصِ فَإِنَّهُ يُحَكِّمُ رَأْيَهُ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لِصٌّ قَصَدَهُ لِيَأْخُذَ مَالَهُ وَيَقْتُلَهُ إنْ مَنَعَهُ وَخَافَهُ إنْ زَجَرَهُ أَوْ صَاحَ بِهِ أَنْ يُبَادِرَهُ بِالضَّرْبِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشُدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيْتِ بِالسَّيْفِ فَيَقْتُلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ اللُّصُوصِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْهِ وَلَا يَقْتُلَهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِإِيضَاحِ مَا تَقَدَّرَ أَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ الدِّمَاءُ وَالْفَرْجُ فَإِنَّ الْغَلَطَ إذَا وَقَعَ فِيهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute