للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

احْتَاجَتْ إلَى الدُّهْنِ فَوَجَدْنَا نَاقَةً كَثِيرَةَ الشَّحْمِ مَيِّتَةً أَفَنَدْهُنُهَا بِشَحْمِهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لِأَنَّ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ يَغْلِبُ الْحَرَامُ فَكَانَ هَذَا كَالْأَوَّلِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الزَّيْتُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ وَدَكَ الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا حُكْمًا فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جُزْءًا مِنْ الْحَلَالِ إلَّا بِتَنَاوُلِ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَامِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ تَنَاوُلِ الْحَرَامِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِصْبَاحُ وَدَبْغُ الْجُلُودِ بِهَا فَإِنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْحَلَالُ فَالِانْتِفَاعُ إنَّمَا يُلَاقِي الْحَلَالَ مَقْصُودًا، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَانْتَفَعُوا بِهِ دُونَ الْأَكْلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ بَيَانِ الْعَيْبِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: النَّجَاسَةُ لِلْجَارِ لَا لِعَيْنِ الزَّيْتِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ إلَى الْعِبَادِ إحْدَاثَ الْمُجَاوَرَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ لَا تَقْلِيبَ الْأَعْيَانِ، وَإِنْ كَانَ التَّنَجُّسُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْعِبَادِ عَرَفْنَا أَنَّ عَيْنَ الطَّاهِرِ لَا يَصِيرُ نَجِسًا وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَصْلَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ عَيْبَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي مَقْصُودِهِ حِينَ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ وَإِنْ دَبَغَ بِهِ الْجِلْدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ لِيَزُولَ بِالْغُسْلِ مَا عَلَى الْجِلْدِ مِنْ أَثَرِ النَّجَاسَةِ وَمَا يُشْرَبُ فِيهِ فَهُوَ عَفْوٌ

وَمِنْ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي هُوَ مُنْفَصِلُ الْأَجْزَاءِ مَسْأَلَةُ الْمَوْتَى إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْضًا: فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَالْغَالِبُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْوِيَ بِصَلَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّمْيِيزِ فِعْلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخُصَّ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ الْمُسْلِمِينَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَتَرَّسَ الْمُشْرِكُونَ بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَى مَنْ يَرْمِيهِمْ أَنْ يَقْصِدَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مَوْتَى الْكُفَّارِ لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالْعَلَامَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَالْغَلَبَةُ لِلْكُفَّارِ هُنَا، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْكَافِرِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤]، وَيَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ الْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>