للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْحَلَالَ هُوَ الْغَالِبُ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فَبِهَذَا الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا إلَّا مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ، فَالسَّبِيلُ أَنْ يُوقِعَ تَحَرِّيَهُ عَلَى أَحَدِهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَيَتَجَنَّبَهَا وَيَتَنَاوَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ لَا بِالتَّحَرِّي بَلْ بِغَلَبَةِ الْحَلَالِ وَكَوْنِ الْحُكْمِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ غَالِبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى عِنْدَنَا وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَلَالِ فِيهَا وَيَرْجُو إصَابَتَهُ بِالتَّحَرِّي فَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَيْتَةِ مَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ وَالْعَمَلُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ جَائِزٌ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ جِهَاتِ الْخَطَأِ هُنَاكَ تَغْلِبُ عَلَى جِهَاتِ الصَّوَابِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ بِالتَّحَرِّي فَهَذَا مِثْلُهُ.

(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْحَرَامُ كَانَ الْكُلُّ حَرَامًا فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْهَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ فَإِنَّ حِلَّ التَّنَاوُلِ هُنَاكَ لَيْسَ بِغَالِبِ الرَّأْيِ كَمَا قَرَّرْنَا، وَهَذَا بِخِلَافِ أَمْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَاكَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَدِلَّةِ عَنْهُ، فَوِزَانُهُ أَنْ لَوْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ هُنَا بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ قُرْبَةٌ جَائِزَةٌ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ مَعَ الِاخْتِيَارِ بِحَالٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ هُنَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لِأَنَّ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ يَغْلِبُ الْحَرَامُ شَرْعًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَلِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ تَنَاوُلِ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي تَنَاوُلِ الْحَلَالِ إنْ شَاءَ أَصَابَ مِنْ هَذَا وَإِنْ شَاءَ أَصَابَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْفَرْضِ وَهُوَ الِاجْتِنَابُ عَنْ الْحَرَامِ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَلَالَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَلَامَةٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْ الْعَلَامَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ إذَا أُلْقِيَتْ فِي الْمَاءِ تَطْفُو لِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّمِ فِيهَا وَالذَّكِيَّةُ تَرْسُبُ، وَقَدْ يَعْرِفُ النَّاسُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ النَّشِيشِ وَبِسُرْعَةِ الْفَسَادِ إلَيْهَا، وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَنْعَدِمُ إذَا كَانَ الْحَرَامُ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ أَوْ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا

وَمِنْ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي هُوَ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ مَسْأَلَةُ الدُّهْنِ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ وَدَكُ الْمَيْتَةِ أَوْ شَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ وَدَكَ الْمَيْتَةِ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَا بِأَكْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَبِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ هَذَا مُحَرَّمُ الْعَيْنِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَكَانَ الْكُلُّ وَدَكَ الْمَيْتَةِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ نَفَرٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إنَّ لَنَا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>