للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ يَسْأَلُهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَاءَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ خَبَرِ الْمَاءِ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ هَذِهِ الْفُصُولَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا إذَا سَأَلَهُ فِي الِابْتِدَاءَ فَلَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَأَمْرُ الْقِبْلَةِ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الِاشْتِبَاهَ لَوْ كَانَ لَهُ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَحْبُوسًا فِي بَيْتٍ وَقَدْ انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْأَدِلَّةُ فَفَرْضُهُ التَّحَرِّي وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ بِالتَّحَرِّي فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجَ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ هُنَا: تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِالْخَطَأِ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ.

(قَالَ): وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ بِالْمَدِينَةِ مَقْطُوعٌ بِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا نَصَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِقَاعِ وَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ بِمَكَّةَ يَنْدُرُ وَالْحُكْمُ لَا يَنْبَنِي عَلَى النَّادِرِ فَلَا يَنْدُرُ تَحَرِّيهِ لِلْحُكْمِ بِالْجَوَازِ هُنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِقَاعِ فَإِنَّ الِاشْتِبَاهَ يَكْثُرُ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِي الْمَسَائِلِ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ، وَالْمُسْتَهْلَكُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الشَّعِيرِ ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ اسْمُ الْحِنْطَةِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي قَرْيَةٍ عَامَّةُ أَهْلِهَا الْمَجُوسُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ لَحْمًا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَفِي الْقَرْيَةِ الَّتِي عَامَّةُ أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ يَحِلُّ ذَلِكَ بِنَاءً لِلْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ وَيُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ الرَّمْيُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى كُلِّ مَنْ يَرَاهُ مِنْ بُعْدٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ دَخَلُوا قَرْيَةً مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ يُعْلَمُ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَهْلُ الذِّمَّةِ.

وَلَوْ دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَرْيَةً مِنْ قُرَى أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ اسْتِرْقَاقُ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ إلَّا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ

ثُمَّ الْمَسَائِلُ نَوْعَانِ: مُخْتَلِطٌ مُنْفَصِلُ الْأَجْزَاءِ وَمُخْتَلِطٌ مُتَّصِلُ الْأَجْزَاءِ؛ فَمِنْ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي هُوَ مُنْفَصِلُ الْأَجْزَاءِ مَسْأَلَةُ الْمَسَالِيخِ؛ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَالِ أَوْ لِلْحَرَامِ، أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَفِيهِ حَالَتَانِ: حَالَةُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهَا، وَحَالَةُ الِاخْتِيَارِ فَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ لَهُ شَرْعًا فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّحَرِّي عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِصَابَةُ الْحَلَالِ بِتَحَرِّيهِ مَأْمُولٌ كَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَالِ بِأَنْ كَانَتْ الْمَسَالِيخُ ثَلَاثَةً أَحَدُهَا مَيْتَةٌ جَازَ لَهُ التَّحَرِّي أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>