للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَيْ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ لَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ إذَا تَرَكَهَا وَاجِدُهَا، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا لَا يَأْمَنُ وَاجِدُهَا وُصُولَ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَحِفْظُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَضْيِيعِهَا كَمَا قَرَّرْنَا فِي سَائِرِ اللُّقَطَاتِ، وَإِذَا بَاعَ اللُّقَطَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إذَا حَضَرَ إلَّا الثَّمَنُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ نَفَذَ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ كَبَيْعٍ يَنْفُذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ.

وَإِنْ كَانَ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِحُصُولِهِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، ثُمَّ إنْ حَضَرَ صَاحِبُهَا وَاللُّقَطَةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ، وَبَيْنَ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا حِينَ بَاعَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ لِوُجُودِ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ مِلْكَهُ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ كَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ فَإِنْ قِيلَ: الضَّمَانُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالتَّسْلِيمِ، وَالْبَيْعُ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ كَيْف يَنْفُذُ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ.؟ قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ بَلْ كَمَا رَفَعَهُ لِيَبِعْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي صَارَ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ يَبِيعُ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ جِهَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا رَفَعَهَا إلَى الْبَيْعِ صَارَ ضَامِنًا فَيَسْتَنِدُ مِلْكُهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَالَةِ بَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا فِي يَدِهِ، وَقَدْ قَبَضَ الْمُلْتَقِطُ الثَّمَنَ، وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ نَفَذَ لِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْمُلْتَقِطُ أَمِينًا فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ.

وَإِذَا أَخَذَ عَبْدًا فَجَاءَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَقَالَ: هَذَا عَبْدٌ آبِقٌ فَقَدْ وَجَبَ لِي الْجُعْلُ عَلَيْكَ، وَقَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ: بَلْ هُوَ الضَّالُّ. أَوْ قَالَ: أَنَا أَرْسَلْتُهُ فِي حَاجَةٍ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّادَّ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ الْجُعْلَ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ مِلْكَهُ تَغَيَّبَ بِالْإِبَاقِ، وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ حِينَ أَخَذَهَا قَالَ: أَخَذْتُهَا لِأَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>