للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي أَخْذِهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ مَنْدُوبٌ إلَى ذَلِكَ شَرْعًا، فَكَانَ هَذَا الْأَخْذُ نَظِيرَ الْأَخْذِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهَا فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا الْأَخْذِ فَيَكُونُ ضَامِنًا كَالْغَاصِبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» أَيْ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، وَالْآخِذُ مُطْلَقًا مَنْ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَلَكِنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ وَيَدَّعِي صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا وَالْمُلْتَقِطُ ضَامِنٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ لِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُطْلَقَ فِعْلِ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَحِلُّ شَرْعًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِي أَخِيكَ سُوءًا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا» وَاَلَّذِي يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا الْأَخْذُ لِلرَّدِّ لَا لِنَفْسِهِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِشْهَادِ مِنْهُ.

(وَالثَّانِي) أَنَّ صَاحِبَهَا يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ، وَهُمَا يَقُولَانِ كُلُّ حُرٍّ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ، وَدَلِيلُ كَوْنِهِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ الْإِشْهَادُ هُنَا، فَإِذَا تَرَكَهُ كَانَ آخِذًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، هَذَا إذَا وَجَدَهَا فِي مَوْضِعٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِشْهَادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِشْهَادِ لِعَدَمِ مَنْ يَشْهَدُ أَوْ لِخَوْفِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ذَلِكَ ظَالِمٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْإِذْنِ شَرْعًا، وَالْإِذْنُ شَرْعًا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِظْهَارِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ أَخْذُهُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ شَرْعًا، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْمُسْقِطِ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ الضَّمَانِ، كَمَنْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَهُ أَوْدَعَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ الْتَقَطْتُ لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً أَوْ قَالَ: عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ، فَلِمَا جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ: قَدْ هَلَكَتْ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَهَا بِمَا قَالَ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ أَخْذَهَا لِلرَّدِّ فَكَانَ أَمِينًا فِيهَا، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يُسَمِّيَ جِنْسَهَا وَلَا صِفَتَهَا فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِتَحْقِيقِ الْحِفْظِ عَلَى الْمَالِكِ كَيْ لَا يَسْمَعَ إنْسَانٌ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَدَّعِيَهَا لِنَفْسِهِ وَيُخَاصِمَهُ إلَى قَاضٍ يَرَى الِاسْتِحْقَاقَ لِمُصِيبِ الْعَلَامَةِ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي هَذَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، وَمَا يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ الْحِفْظِ عَلَى الْمَالِكِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ لُقَطَتَيْنِ فَقَالَ: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: عِنْدِي لُقَطَتَانِ ثُمَّ هَلَكَتَا

<<  <  ج: ص:  >  >>