للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَهُ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَهُمَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْرِيفِ، فَاللُّقَطَةُ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ: عِنْدِي لُقَطَةٌ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتِمُّ مِنْهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهَا وَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا صَاحِبُهَا أَوْ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِلتَّعْرِيفِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ رَدُّهَا إلَى مَكَانِهَا؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِفِعْلِهِ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ إلَى صَاحِبِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْحِفْظِ، فَقَدْ يَأْخُذُهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا لَهُ بِأَنْ كَانَ سَقَطَ مِنْهُ مِثْلُهَا، فَإِذَا تَأَمَّلَهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا، وَقَدْ يَأْخُذُهَا لِيَعْرِفَ صِفَتَهَا حَتَّى إذَا سَمِعَ إنْسَانًا يَطْلُبُهَا دَلَّهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ يَطْمَعُ فِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَإِذَا أَحَسَّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا أَوْ طَمَعًا فِي ذَلِكَ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا غَيْرُهُ فَلِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ يُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ كَالْغَاصِبِ، وَإِعَادَتُهَا إلَى مَكَانِهَا لَيْسَ بِرَدٍّ عَلَى الْمَالِكِ، فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ نَسَخَ فِعْلَهُ بِمَا صَنَعَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهَا فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ قَالَ: إذَا كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا، وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ضَامِنٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَعَ الْخَاتِمَ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى أُصْبُعِهِ بَعْدَ مَا انْتَبَهَ ثُمَّ نَامَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِهِ، وَلَوْ أَعَادَهُ إلَى أُصْبُعِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَبِهَ مِنْ تِلْكَ النَّوْمَةِ بَرِئَ بِالِاتِّفَاقِ فَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَّى بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَسَخَ فِعْلَهُ حِينَ أَعَادَهُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَخَذَهُ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمَّا انْتَبَهَ صَاحِبُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ فِي حَالَةِ الِانْتِبَاهِ، فَلَا يَكُونُ نَوْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَبِهَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ نَزَعَهُ وَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، هَذَا إذَا لَبِسَهُ كَمَا يَلْبَسُ ذَلِكَ الثَّوْبَ عَادَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَ قَمِيصًا فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ وَلَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ فَلَا يَصِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>