للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ الْخَاتِمُ إنْ لَبِسَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ يَصِيرُ بِهِ ضَامِنًا الْيَدُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَلْبَسُونَ الْخَاتِمَ فِي الْخِنْصَرِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى لِلتَّزَيُّنِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

وَإِنْ لَبِسَهُ فِي أُصْبُعٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْحِفْظُ دُونَ التَّزَيُّنِ بِهِ، وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ لَبِسَهُ عَلَى خَاتِمٍ فِي خِنْصَرِهِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِفْظُ دُونَ التَّزَيُّنِ بِهِ قَالَ هِشَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقُلْتُ: لَهُ مِنْ السَّلَاطِينِ مَنْ يَتَخَتَّمُ بِخَاتِمَيْنِ لِلتَّزَيُّنِ فَقَالَ: يَكُونُ أَحَدُهُمَا لِلْخَتْمِ لَا لِتَزَيُّنٍ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَتَأَمَّلَ فِي هَذَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ يَلْبَسُ خَاتِمَيْنِ لِلتَّزَيُّنِ فَهَذَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ حِفْظٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَيْفًا فَتَقَلَّدَ بِهِ فَهَذَا اسْتِعْمَالٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُبَارِزَ قَدْ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَلِّدًا بِسَيْفَيْنِ فَحِينَئِذٍ تَقَلُّدُهُ بِهَذِهِ اللُّقَطَةِ يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الدَّابَّةَ إلَى دَارِ صَاحِبِهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضَامِنٍ لَهَا، فَإِذَا رَدَّهَا إلَى دَارِ صَاحِبِهَا فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي الرَّدِّ، فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا، فَأَمَّا الْغَاصِبُ ضَامِنٌ لَهَا فَحَاجَتُهُ إلَى رَدٍّ مُسْقِطٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى صَاحِبِهَا.

رَجُلٌ جَاءَ إلَى دَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ لِرَجُلٍ فَحَلَّهَا وَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا ثُمَّ ذَهَبَتْ الدَّابَّةُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي حَلَّهَا، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ فَتَحَ بَابَ الْقَفَصِ فَطَارَ الطَّيْرُ أَوْ فَتْحَ بَابَ الْإِصْطَبْلِ فَفَرَّتْ الدَّابَّةُ، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الَّذِي حَلَّ الرِّبَاطَ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ فِي الْحَقِيقَةِ مُزِيلٌ لِلْمَانِعِ مُوجِدٌ شَرْطَ الذَّهَابِ، إلَّا أَنَّ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلتَّلَفِ هُنَا وَهُوَ فِعْلُ الطَّيْرِ وَالدَّابَّةِ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا، وَفِي مِثْلِهِ يُحَالُ الْإِتْلَافُ عَلَى صَاحِبِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ ضَامِنًا كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ أَوْجَدَ شَرْطَ السُّقُوطِ بِإِزَالَةِ الْمَسْكَةِ عَنْ الْأَرْضِ، فَأَمَّا الْعِلَّةُ ثِقَلُ الْمَاشِي فِي نَفْسِهِ وَمَشْيِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ إضَافَةَ الْإِتْلَافِ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ كَانَ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ حَتَّى يَكُونَ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ مَنْ شَقَّ زِقَّ إنْسَانٍ فَسَالَ مِنْهُ مَائِعٌ كَانَ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَعَمَلُهُ إزَالَةُ الْمَانِعِ فَقَطْ، فَأَمَّا عِلَّةُ السَّيَلَانِ كَوْنُهُ مَائِعًا، وَلَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ كَانَ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ حَبْلَ قِنْدِيلٍ فَسَقَطَ فَعَمَلُ الْقَاطِعِ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ فَكَانَ ضَامِنًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ: عَمَلُهُ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ طَرَأَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُعْتَبَرٌ حَصَلَ بِهِ التَّلَفُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَيُحَالُ بِالتَّلَفِ عَلَى هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>