طَالَ ذَلِكَ بَاعَهُ الْإِمَامُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَجِيءَ لَهُ طَالِبٌ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إمْسَاكُهُ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ، وَرُبَّمَا يَأْتِي ثَمَنُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْبَقَ مِنْهُ فَكَانَ حِفْظُ ثَمَنِهِ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ عَيْنِهِ وَأَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا حَضَرَ أَنْ يَنْقُضَ بَيْعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَفَذَ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا، وَلَوْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِأَنْ يَخْرُجَ فَيَكْتَسِبَ فَأَبَقَ ثَانِيًا فَكَانَ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّوَائِبِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ النَّوَائِبِ، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ حَضَرَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي نَفَقَةِ الْمُلْتَقَطِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ فِي نَفَقَةِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْآبِقِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ مُدَّعِيهِ شُهُودًا نَصَارَى لَمْ تُجْزَ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِحْقَاقُ يَدِ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ بِشَهَادَةِ النَّصَارَى، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ بَاعَهُ الْإِمَامُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَبَّرَهُ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَفَذَ مِنْ الْقَاضِي بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَكَأَنَّ الْمَالِكَ بَاشَرَ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ وَقَدْ وَلَدَتْهُ فِي مُلْكِهِ فَيَدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْهَا، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ كَانَ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ وَلَدٍ حَصَلَ الْعُلُوقُ بِهِ فِي مِلْكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِجَارِيَتِهِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَمَعَهَا وَلَدٌ يَدَّعِي نَسَبَهُ كَانَ مُصَدَّقًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ عَنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً آبِقًا بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ فَرَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ. فَلَهُ الْجُعْلُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْجُعْلِ بِأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ ثَابِتٍ بِفَتْوَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْقَدْرِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالرَّأْيِ لَا تَجُوزُ، وَلِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ مَعْلُومٌ وَلَا نِهَايَةَ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ شَرْعًا كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ أَخَذَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجًا مِنْهُ وَلَكِنْ فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الثَّابِتَ بِالشَّرْعِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دُونَ الْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمُقَدَّرِ، وَلِأَنَّ الْجُعْلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ رَادُّ الْآبِقِ، وَتَمَامُ الْإِبَاقِ بِمَسِيرَةِ السَّفَرِ فَفِيمَا دُونَهُ هُوَ كَالضَّالِّ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ السَّفَرِ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute