للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَلَفَ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا لَمْ يَكُنْ مُسِيئًا، وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَأْخُذْ أَحَبُّ إلَيَّ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ كَفِيلًا وَسِعَهُ ذَلِكَ. مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَخْذَ الْكَفِيلِ لِلْمَجْهُولِ كَمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْ الْوَارِثِ، هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ، وَمَا قَالَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُوزَانِ لِلْقَاضِي أَنْ

يَحْتَاطَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ صِيَانَةً

لِقَضَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ نَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ، فَرُبَّمَا يَظْهَرُ مُسْتَحِقٌّ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِلَادَةِ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، أَوْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيَكُونُ مُزَاحِمًا لَهُ، أَوْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا لِهَذَا، وَلَكِنَّهُ مَوْهُومٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَكَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا. وَمَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ثَابِتٌ بِمَا أَقَامَ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَاسْتِحْقَاقُ غَيْرِهِ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ لَا يُقَابِلُ الْمَعْلُومَ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي تَرْكُ الْعَمَلِ إلَّا بِحُجَّةٍ مَعْلُومَةٍ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، أَرَأَيْتَ لَوْ لَمْ يُعْطِهِ كَفِيلًا. أَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا، أَكَانَ يَمْتَنِعُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ لَهُ، وَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا فَهُوَ فِيمَا صَنَعَ مُحْتَاطٌ مُجْتَهِدٌ فَلَا يَكُونُ مُسِيئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا.

أَمَّا الدَّفْعُ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا فِيمَا قَالَا، وَخَبَرُ الْمُخْبِرِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مِثْلُهُ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْقَاضِي، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِدُونِ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالدَّفْعُ هُنَاكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ فِي حَقِّ الْقَاضِي، يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ فِي تَعْيِينِ مَالِكِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ، وَأَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ الثَّابِتَةِ لِلْقَاضِي بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِرِقِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِحَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا حَضَرَ مَالِكُهُ وَأَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْكَفِيلِ لِيُحْضِرَهُ فَيُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ عَلَى الْقَاضِي، وَلَا يَلْحَقُ الْقَاضِي ضَمَانٌ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ؛ فَلِهَذَا لَا يُحْتَاطُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ طَالِبٌ، فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>