يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي ذَلِكَ.
(قُلْنَا:) لَوْ كَانَ هَذَا مُعْتَبَرًا لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَ فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ دُونَ الْمُسَمَّى ثُمَّ الْأَمْرُ هُنَا ثَابِتٌ أَيْضًا بِدُونِ قَوْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْهَارِبَ مِنْ مَوْلَاهُ مَا دَامَ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْهُ يُنَادِي مَوْلَاهُ عَلَى أَثَرِهِ خُذُوهُ فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّهُ أَمْرٌ لِكُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَرَدِّهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ الثَّابِتُ دَلَالَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ الثَّابِتِ إفْصَاحًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ أَخَذَ غُلَامًا آبِقًا فَأَبَقَ مِنْهُ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: أَخَذَ مَوْلَى لِلْحَيِّ آبِقًا فَأَبَقَ مِنْهُ نَحْوَ حَيٍّ فَكَتَبَ إلَى مَوْلَاهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَيَجْتَعِلَ لَهُ مِنْهُمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ فَأَقْبَلَ بِالْعَبْدِ فَأَبَقَ مِنْهُ، فَاخْتَصَمُوا إلَى شُرَيْحٍ فَضَمَّنَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ اخْتَصَمُوا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَحْلِفُ الْعَبْدُ الْأَحْمَرُ لِلْعَبْدِ الْأَسْوَدِ بِاَللَّهِ مَا أَبِقَ مِنْهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالشَّعْبِيِّ فَنَقُولُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَمَا بَيَّنَّا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّادَّ يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ، وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا حَتَّى لَمْ يَخَفْ عَلَى مَوَالِيهِمْ حِينَ كَتَبَ الْآخِذُ إلَى مَوْلَاهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَيَجْتَعِلَ لَهُ مِنْهُمْ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ تَضْمِينُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَالْمُسْتَوْجِبُ لِلْجُعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَلِهَذَا ضَمَّنَهُ، وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ كَمَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
(وَقَوْلُهُ) يَحْلِفُ الْعَبْدُ الْأَحْمَرُ يُرِيدُ بِهِ الرَّادَّ سَمَّاهُ أَحْمَرَ لِقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِ الْآبِقِ، وَسَمَّى الْآبِقَ أَسْوَدَ لِخُبْثِ فِعْلِهِ، وَهُوَ مِنْ دُعَابَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: وَإِذَا أُتِيَ الرَّجُلُ بِعَبْدٍ آبِقٍ فَأَخَذَهُ السُّلْطَانُ فَحَبَسَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُ وَلَا وَهِبَتُهُ ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَوَّلًا. نَقُولُ: يَنْبَغِي لِلرَّادِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ السُّلْطَانَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ الْآبِقِ بِنَفْسِهِ عَادَةً فَرَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ لِهَذَا؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ عَلَى إبَاقِهِ فَيَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ لِيُعَزِّرَهُ، وَيَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْهُ لِيَحْبِسَهُ، وَذَلِكَ نَوْعُ تَعْزِيرٍ، ثُمَّ مَنْ يَدَّعِيهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِيهِ بِالْحُجَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَلَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ ذَلِكَ فَيَسْتَحْلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ.
(فَإِنْ قِيلَ:) كَيْفَ يَسْتَحْلِفُهُ وَلَيْسَ هُنَا خَصِيمٌ يَدَّعِي ذَلِكَ.؟ (قُلْنَا:) يَسْتَحْلِفُهُ
صِيَانَةً لِقَضَاءِ الْقَاضِي
، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصُونَ قَضَاءَهُ عَنْ أَسْبَابِ الْخَطَأِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، أَوْ يَسْتَحِقُّهُ نَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ مَوْهُوبٍ لَهُ، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute