بِالْقِيمَةِ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَبِهِ قَضَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعِنْدَهُمَا هُمْ يَمْلِكُونَ الْآبِقَ إلَيْهِمْ بِالْأَخْذِ، فَإِذَا مَلَكُوهَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي اسْتِرْدَادِهَا، وَالْجُعْلُ وَاجِبٌ فِي رَدِّ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ يَسْتَكْسِبُهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ.
(فَإِنْ قِيلَ:) فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ بِإِحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قُلْنَا:) نَعَمْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَالِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ الرَّقَبَةِ، وَلَكِنْ لَهُ مَالِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ كَسْبِهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ، فَلَا يَكُونُ رَادُّهُ مُحْيِيًا لِلْمَوْلَى مَالِيَّةً بِاعْتِبَارِ الرَّقَبَةِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُمَا الرَّادُّ إلَيْهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا عَتَقَا بِمَوْتِهِ، وَرَادُّ الْحُرِّ لَا يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الْمُدَبَّرِ سِعَايَةٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَالٌ سِوَاهُ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا جُعْلَ لِرَادِّ الْمُكَاتِبِ أَوْ الْحُرِّ، فَأَمَّا إذَا وَصَّلَهُمَا إلَى الْمَوْلَى فَقَدْ تَقَرَّرَ حَقُّهُ فِي الْجُعْلِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَعِتْقِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا، وُجُوبُهُ بِاعْتِبَارِ إحْيَاءِ مَالِيَّتِهِمَا، وَالْمَالِيَّةُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ، وَرَادُّ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ آبِقًا يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ كَرَادِّ الْكَبِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مِمَّا دُونَ ذَلِكَ يَرْضَخُ لَهُ عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ، وَعَنَاؤُهُ فِي رَدِّ الْكَبِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي رَدِّ الصَّغِيرِ، فَالرَّضْخُ يَكُونُ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
وَإِذَا انْتَهَى الرَّجُلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ إلَى مَوْلَاهُ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ أَعْتَقَهُ فَالْجُعْلُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِإِعْتَاقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ مِنْ الَّذِي أَتَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ لَمَّا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَلَامَةَ الثَّمَنِ لَهُ بِاعْتِبَارِ رَدِّ هَذَا الرَّادِّ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَلَامَةِ الْعَيْنِ لَهُ، وَإِنْ سَلَّمَهُ الرَّادُّ إلَى مَوْلَاهُ فَأَبَقَ مِنْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَعَلَى الْوَلِيِّ جُعْلٌ تَامٌّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ بِالرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى فَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَدْخَلَهُ الْمِصْرَ، ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِي بِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَالْجُعْلُ لِلْآخَرِ إنْ جَاءَ بِهِ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَرْضَخُ لَهُ إنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ السَّبَبِ بِإِيصَالِهِ إلَى الْمَوْلَى، وَالْأَوَّلُ مَا أَوْصَلَهُ إلَى الْمَوْلَى فَانْتَقَصَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ بِإِبَاقِ الْعَبْدِ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ بِالْإِيصَالِ إلَى الْمَوْلَى فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute