أَتَمَّ السَّبَبَ بِإِيصَالِهِ إلَى الْمَوْلَى فَيَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ الْأَوَّلُ مَعَ الثَّانِي وَرَدَّاهُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَالْأَوَّلُ نِصْفُ الْجُعْلِ تَامًّا، وَيَرْضَخُ لِلثَّانِي عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ لِأَنَّهُمَا تَمَّمَا السَّبَبَ بِإِيصَالِهِ إلَى الْمَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ضَمَّ فِعْلَهُ الثَّانِي إلَى الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الضَّمِّ يَكُونُ رَادًّا لَهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ نِصْفُ الْجُعْلِ تَامًّا، وَالثَّانِي إنَّمَا رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُمَا رَدَّاهُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّ الرَّضْخَ عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ، وَإِنْ رَدَّاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْجُعْلِ، وَهُوَ الْإِيصَالُ إلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الرَّدِّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ فَيَسْتَوِيَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّادَّيْنِ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا فَهُوَ مِثْلُ الْحُرِّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا اكْتِسَابٌ لِلْمَالِ، وَالْعَبْدُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ بِطَرِيقٍ هُوَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْآبِقُ لِمُكَاتِبٍ أَوْ عَبْدٍ تَاجِرٍ فَعَلَيْهِمَا الْجُعْلُ لِلرَّادِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي كَسْبِهِمَا بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الْحُرِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ التَّصَرُّفِ، وَالرَّادُّ أَحْيَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ بِالرَّدِّ لَهُمَا فَيَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآبِقُ لِصَبِيٍّ فَالْجُعْلُ فِي مَالِهِ يُؤَدِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ.
(عَبْدٌ) جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَبَقَ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَالْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إذَا كَانَ قَبْلَ إبَاقِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْجُعْلُ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّادَّ عَمَلٌ لَهُ فِي إحْيَاءِ مَالِيَّتِهِ، وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ فَالْجُعْلُ عَلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّادَّ أَحْيَا حَقَّهُمْ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ اسْتَحَقَّ لَهُمْ بِالْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى شَيْئًا بَطَلَ حَقُّهُمْ فَتَبَيَّنَ بِاخْتِيَارِ الدَّفْعِ أَنَّ الرَّادَّ أَحْيَا حَقَّهُمْ فَيَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُسْتَوْفَى الْجُعْلُ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْ الْمَوْلَى.
(عَبْدٌ) أَبَقَ إلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَكُونُ قَاصِدًا إلَى تَمَلُّكِ الْمُشْتَرَى فَيَكُونُ هُوَ غَاصِبًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى لَا عَامِلًا لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ أَوْ وَرِثَهُ، فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَهُ الْجُعْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْإِشْهَادِ أَظْهَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ لِلْمَوْلَى فِي الرَّدِّ، وَلَكِنَّهُ الطَّرِيقُ الَّذِي يُمَكِّنُهُ فَيَسْتَوْجِبُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَدَّى مِنْ الثَّمَنِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَبَقَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَفِي حَقِّ الرَّادِّ هُوَ وَالْمَأْخُوذُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute