مُقِرٌّ بِأَنَّ فِي يَدِهِ مِلْكُ الْغَائِبِ، وَأَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ حَقُّ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ فِيمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ فَيَنْتَصِبُ هُوَ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَيَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُ إلَى الْمَفْقُودِ.
وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ يَكُونُ لِلْمَفْقُودِ عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ، وَالْكَلَامُ فِي الدَّيْنِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَدْيُونِ يُلَاقِي مِلْكَ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا، وَالْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا اسْتِحْسَانٌ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ وَالْمَالِ، فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِأَحَدِهِمَا لَمْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ طَالِبِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ جَاحِدًا لِلْمَالِ فَطَالِبُ النَّفَقَةِ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمَالِ لِنَفْسِهِ، إنَّمَا يُثْبِتُهُ لِلْمَفْقُودِ، حَتَّى إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَفْقُودِ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِلزَّوْجِيَّةِ، فَإِنَّمَا يُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْمَفْقُودِ الْمُودَعُ، وَالْمَدْيُونُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْمَالِيَّةُ مَعْلُومِينَ لِلْقَاضِي فَعِلْمُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَقْوَى مِنْ إقْرَارِ الْمُودَعِ وَالْمَدْيُونِ، وَإِنْ أَعْطَاهُمَا الْمَدْيُونُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُمَا الْمُودَعُ مِنْ الْوَدِيعَةِ. فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَإِنَّ أَمْرَ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْمَفْقُودِ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِ مِلْكِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ مِنْ حِفْظ مِلْكِهِ وَحَقِّهِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَمْرُ الْقَاضِي فِيهِ كَأَمْرِ الْمَفْقُودِ، وَإِنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ وَكِيلًا يَتَقَاضَى دَيْنَهُ، وَيَجْمَعُ غَلَّاتِهِ، وَيُؤَاجِرُ رَقِيقَهُ فَعَلَى الْقَاضِي ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، لِلْغَائِبِ بِحِفْظِ مَالِهِ وَجَمْعِهِ، وَلِلْحَاضِرِ بِوُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ، وَهِيَ النَّفَقَةُ، وَكَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَقَاضَى وَيَقْبِضَ وَيُخَاصِمَ مِنْ يَجْحَدُ حَقًّا مِنْ عَقْدٍ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِقَبْضِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ كَانَ حَقُّ الْقَبْضِ فِي هَذَا الْمَالِ لِلْوَكِيلِ الَّذِي بَاشَرَ سَبَبَهُ، فَأَمَّا كُلُّ دَيْنٍ كَانَ الْمَفْقُودُ تَوَلَّاهُ أَوْ نَصِيبٍ مِنْ عَقَارٍ أَوْ عَرْضٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُخَاصِمُ فِيهِ مَنْ جَحَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَفْقُودِ، إنَّمَا هُوَ حَافِظٌ لِمَالِهِ فَقَطْ، وَحِفْظُهُ يَتَحَقَّقُ فِيمَا وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ، فَأَمَّا الْخُصُومَةُ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ قَطُّ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ، فَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَدْ وَلَّاهُ ذَلِكَ، وَرَآهُ، وَأَنْفَذَ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْقُضَاةُ يَعْنِي بِهَذَا الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنِهِ فِي وَصِيَّتِهِ عَزَلْتَ حَقَّ الْمَفْقُودِ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلْتَهُ عَلَى يَدَيْ وَكِيلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute