أَجْنَبِيٍّ لَمْ أَدْفَعْ إلَى أَخِيهَا مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَوْرِيثِ الْأَخِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مَيِّتًا فَمَا لَمْ يَصِرْ هَذَا الشَّرْطُ مَعْلُومًا بِالْحُجَّةِ لَا يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ مِنْ الْمِيرَاث شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثُهَا فِي يَدِ أَخِيهَا وَأُخْتِهَا، وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْأَبَ مَفْقُودٌ لَمْ أَقْسِمْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُبْنَى عَلَى ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْمِيرَاثِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِ الْأَبِ الْمَفْقُودِ قَبْلَ مَوْتِ الِابْنَةِ.
وَلَوْ كَانَ لِلْمَفْقُودِ امْرَأَةٌ فَمَاتَتْ، وَمِيرَاثُهَا فِي يَدِ وَلَدِهَا لَمْ أَقْسِمْ لِلْمَفْقُودِ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبًا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِيَدِ ذِي الْيَدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَإِنْ أَرَادَ وَلَدُهَا قِسْمَةَ مِيرَاثِهَا وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ أَقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِ الْمَفْقُودِ، ثُمَّ يُعْزَلُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ، فَيُوقَفُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَيُقْسَمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ. أَمَّا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ فَالْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا قَضَاءً عَلَى الْمَفْقُودِ، وَهُوَ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلَا يُوَجِّهُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ ثَبَتَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ تُوَجِّهُ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ لَمَّا ظَهَرَ مَوْتُهُ فَيَعْزِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَيَجْعَلُهُ مَوْقُوفًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ بِظُهُورِ مَوْتِهِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ قَضَيْتُ لَهُمْ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِاسْتِحْقَاقِهِمْ لِهَذَا الْمِقْدَارِ، فَيُسَلَّمُ إلَيْهِمْ وَيُوقَفُ الرُّبْعُ عَلَى يَدِ ذِي الْيَدِ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ الْمَالَ هُنَاكَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَفِي الْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ عَنْ نَصِيبِهِمْ، وَذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَفْقُودِ، وَهُنَا الْمَالُ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَقَضَاؤُهُ لَهُمْ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ لَا يَمَسُّ الْمَفْقُودَ، وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ اسْتِحْقَاقَهُ لَهُمْ.
وَإِذَا فُقِدَ الْمُرْتَدُّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ يُوقَفُ مِيرَاثُهُ كَمَا يُوقَفُ مِيرَاثُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ اللَّحَاقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَكَمَا يُوقَفُ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ فَكَذَلِكَ يُوقَفُ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ الْمُرْتَدِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ قُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَلَمْ يُحْبَسْ لِلْمَفْقُودِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْرُومٌ عَنْ الْمِيرَاثِ بِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، وَإِسْلَامُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ لَا يُقَلِّلُ الْمَعْلُومَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ الْمَفْقُودَ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يُحْبَسْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الَّذِي يَحْرِمُهُ مَعْلُومٌ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْهُومٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِيرَاثُهُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ أَحَدًا، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ يُفْقَدُ، وَلَهُ بَنُونَ مُسْلِمُونَ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يُوقَفْ لِلْأَبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ حِرْمَانِهِ مَعْلُومٌ، فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ. وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فُقِدَ وَلَهُ بَنُونَ كُفَّارٌ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَسَمْتُ مِيرَاثَهُ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute