بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَاءِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حُكْمٌ مَقْصُودٌ عَلَى الْمَحِلِّ فَيَتِمُّ سَبَبُهُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَحِلِّ، وَالضَّمَانُ جُبْرَانٌ لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَلَا يَتِمُّ سَبَبُهُ إلَّا بِتَفْوِيتِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَبِخِلَافِ ضَمَانِ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانٌ إتْلَافُ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ بِالْحَرَمِ أَمَّنَ الصَّيْدَ، وَمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي تَنْفِيرِهِ وَاسْتِيحَاشِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْأَيْدِي، فَإِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ يَكُونُ إتْلَافًا لِمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَمَحْفُوظَةٌ بِالْأَيْدِي، فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ إتْلَافًا لِشَيْءٍ عَلَى الْمَالِكِ.
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَقَّ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ لِلشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الْأَصْلِ مَعَ وَلَدِهِ إلَى مَأْمَنِهِ، فَإِنَّمَا وُجِدَ الْمَنْعُ مِنْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ. وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ: إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ، وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ ضَامِنٌ، وَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الزِّيَادَةِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْ الْأَصْلِ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ بَلْ هُوَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا تُوصَفُ الْعَيْنُ بِهِ مَجَازًا. كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ مَغْصُوبٌ عَلَيْهِ، وَالْغَصْبُ صِفَةٌ لِلْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَحِلِّ، فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ حَقِيقَةً فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْوَلَدِ، وَإِنْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْوَلَدَ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ.
(فَإِنْ قِيلَ:) فَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ فِي الْوَلَدِ. (قُلْنَا:) بَلْ فِيهِ تَفْوِيتُ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ، فَلِوُجُودِ التَّفْوِيتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ ضَامِنًا، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَضْمُونَةٌ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عِنْدَهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا أَظْهَرُ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَصِيرُ مَغْصُوبَةً بِالْوُقُوعِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ يَدِهِ عَلَى الْأَصْلِ يَدَ غَصْبٍ أَنْ تَكُونَ عَلَى الزِّيَادَةِ يَدَ غَصْبٍ أَيْضًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ هُوَ يَدُ الْغَصْبِ بَلْ الْيَدُ الْغَاصِبَةِ؛ لِأَنَّ لِيَدِ الْغَصْبِ حُكْمَ الْغَصْبِ، وَإِنَّمَا يُحَالُ بِالضَّمَانِ عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ لَا عَلَى حُكْمِهِ فَأَصْلُ السَّبَبِ الْيَدُ الْغَاصِبَةُ الْمُفَوِّتَةُ لِيَدِ الْمَالِكِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ مَنَعَهَا بَعْدَ الطَّلَبِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ قَصْرَ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهَا يَثْبُتُ بِالْمَنْعِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالرَّدِّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute