للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَدُّهَا بِدُونِ الْأَصْلِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَذَا الْمَنْعِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَضْمُونٌ بِدُونِ هَذَا الْمَنْعِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ.

وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي بَدَنِهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ إلَّا قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ إثْبَاتُ الْيَدِ، وَالْيَدُ مُسْتَدَامٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُسْتَدَامُ فَإِنَّهُ يُعْطَى لِاسْتِدَامَتِهِ حُكْمَ إنْشَائِهِ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْغَصْبِ عِنْدَ الْهَلَاكِ. وَعِنْدَنَا سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ، وَذَلِكَ بِابْتِدَاءِ الْغَصْبِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِ الْعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهَا لِنَفْسِهِ عَلَى طَرِيقِ التَّمَلُّكِ، وَفِي هَذَا الْقَبْضِ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِرْدَادِهَا مِنْ الْغَاصِبِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي عَلَى طَرِيقِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا حَالَ قَبْضِهِ، وَذَلِكَ أَلْفَا دِرْهَمٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْأَوَّلِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِي قِيمَتَهَا وَقْتَ غَصْبِهِ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا مَا بَيَّنَّا، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَوْلَى بِاخْتِيَارِهِ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الثَّانِي يَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْغَاصِبِ الْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِهَذَا الْإِبْرَاءِ تَصِيرُ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ، وَالْغَاصِبُ الثَّانِي مُفَوِّتٌ لِهَذِهِ الْيَدِ، فَإِذَا صَارَتْ كَيَدِ الْمَالِكِ كَانَ هُوَ ضَامِنًا بِتَفْوِيتِهِ يَدَ الْمَالِكِ حُكْمًا، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْبَائِعِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فِي الْكِتَابِ.

(وَرَوَى) الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ قِيمَتَهَا.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَمَانَةً، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهَا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهَا بِزِيَادَتِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً، وَكَمَا لَوْ قَتَلَهَا بَعْدَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ سَبَبَانِ مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ الْغَصْبُ وَالتَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِأَيِّ الشَّيْئَيْنِ شَاءَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا بَعْدَ الْغَصْبِ.

وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ اسْتِهْلَاكٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ مِنْهُ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْمِلْكِ لَهُ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لَهُ، فَهُوَ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ بَاشَرَ سَبَبًا لَوْ أَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ قَضَى الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>