للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالسِّمَنِ وَالسِّنِّ لَا مَا إذَا كَانَ الْفَائِتُ جَمِيعَ الْأَصْلِ، فَكَذَلِكَ بِسَبَبِ اتِّحَادِ السَّبَبِ يُجْعَلُ الْحَادِثُ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ إذَا كَانَ الْفَائِتُ بَعْضَ الْأَصْلِ لَا مَا إذَا كَانَ الْفَائِتُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ تَبَعٍ مِثْلِهِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ الْأَصْلَ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ مَلَكَ الْأَصْلَ بِالضَّمَانِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ النُّقْصَانَ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا يُجْبِرُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ الْأَصْلَ فَالْحَاجَةُ إلَى رَدِّ جَابِرِ النُّقْصَانِ هُنَا مُتَقَرِّرٌ، وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَاجَةِ يُجْعَلُ الْوَلَدُ خَلَفًا فِي حُكْمِ الِانْجِبَارِ بِهِ.

(قَالَ:) وَإِذَا جَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَدَّعِي جَارِيَتَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ غَصَبَهَا هَذَا إيَّاهُ، وَأَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا حِينَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَوْلِ، وَالْآخَرُ بِالْفِعْلِ، إذْ الْفِعْلُ غَيْرُ الْقَوْلِ، وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمِلْكِ لَهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ، وَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِالْمِلْكِ وَزَادَ أَحَدُهُمَا ذِكْرَ الْغَصْبِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَتَفَرَّدَ إحْدَاهُمَا بِالشَّهَادَةِ بِالْغَصْبِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَقْضِي الْقَاضِي بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَتَهُ قَضَيْتُ بِهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ أَبَدًا حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَظْهَرْ سَبَبُ ذَلِكَ، فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ لَهُ بِمِلْكٍ هُوَ أَصْلٌ فِيهِ مُسْتَفَادٌ بِسَبَبٍ أَحْدَثَهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَالْآخَرُ شَهِدَ لَهُ بِمِلْكٍ هُوَ خَلَفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ فِيهِ، وَأَحَدُ الْمِلْكَيْنِ مُتَبَايِنٌ عَنْ الْآخَرِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ مُوَرِّثِهِ، وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ مُوَرِّثِهِ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ عَلَى بَائِعٍ بَائِعَهُ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِسَبَبِ شِرَاءِ بَائِعِهِ.

(وَإِذَا) اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ حُكْمًا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ.

وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ مِنْ رَجُلٍ، وَالْآخَرُ بِالشِّرَاءِ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ السَّبَبُ، إمَّا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ غَيْرُ الشِّرَاءِ، أَوْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ زَيْدٍ غَيْرُ الشِّرَاءِ مِنْ عَمْرٍو، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ غَصَبَهَا إيَّاهُ هَذَا وَقَدْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ مِنْ رَجُلٍ فَسَلَّمَ رَبُّ الْجَارِيَةِ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ مِنْ الْغَاصِبِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ مَالَهُ مُجِيزٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>