كَانَ خَلَفًا فِي حُكْمِ الِانْجِبَارِ، فَلَا جَرَمَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ، وَهُوَ كَالتُّرَابِ خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ لَا فِي الْمِلْكِ، فَبَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ يَبْقَى التُّرَابُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَا يَكُونُ خَلَفًا فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ.
(وَإِذَا) ثَبَتَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ فِيهِ وَفَاءٌ بَعْدَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِلَافَةِ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ لَمَّا انْعَقَدَ فِيهِ فَالْحَادِثُ فِيهِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ يَلْتَحِقُ بِالْمَوْجُودِ وَقْتَ السَّبَبِ، كَالزَّوَائِدِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَلْتَحِقُ بِالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْخِلَافَةَ فِي حُكْمِ الِانْجِبَارِ لِيَكُونَ رَدُّ الْخَلَفِ كَرَدِّ الْأَصْلِ، وَهَذَا يَنْتَهِي بِالرَّدِّ، فَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ الرَّدِّ لَا تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ السَّبَبِ لِهَذَا كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تُعْتَبَرُ فِي انْقِسَامِ الثَّمَنِ، فَأَمَّا فِي السِّنِّ يَتَبَيَّنُ انْعِدَامُ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَادِثَ خَلَفٌ عَنْ الْفَائِتِ بِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَدَمُ إفْسَادِ الْمَنْبَتِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الرَّدِّ كَمَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَهُ. وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ هُنَاكَ لَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ بِالْقَلْعِ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي ضَمَانِهِ عِنْدَ الْقَلْعِ، فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ بِالنَّبَاتِ بَقَاءُ الْأَصْلِ فِي ضَمَانِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَفِي قَطْعِ قَوَائِمِ الشَّجَرَةِ الْوَاجِبُ ضَمَانُ عَيْنِ مَا ذَهَبَ بِهِ الْقَاطِعُ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمَقْطُوعُ، وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِنَبَاتِ مِثْلِهِ. ثُمَّ النَّبَاتُ هُنَاكَ لَيْسَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ بَلْ بِبَقَاءِ الشَّجَرَةِ الْخَضِرَةِ النَّامِيَةِ، وَالِانْجِبَارُ بِحُكْمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ، وَبِالْوَلَدِ وَفَاءً بِقِيمَتِهَا فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُبَرَّأُ بِرَدِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ لِجُبْرَانِ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْوَفَاءِ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرَ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ، وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تُوجِبُ الْمَوْتَ فَالنُّقْصَانُ يَكُونُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ، فَأَمَّا مَوْتُ الْأُمِّ لَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ، وَرَدُّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ، وَلَوْ رَدَّ عَيْنَ الْجَارِيَةِ كَانَ النُّقْصَانُ مُنْجَبِرًا بِالْوَلَدِ، فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّ قِيمَتَهَا، (وَفِي) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ كَامِلَةً لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوِلَادَةَ كَانَتْ مَوْتًا مِنْ أَصْلِهِ كَالْجُرْحِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ زَهُوقُ الرُّوحِ يَكُونُ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ لَا أَنْ يَكُونَ جُرْحًا، ثُمَّ قَتْلًا بِنَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْوِلَادَةَ مَوْتٌ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ بِحُكْمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ، فَإِذَا انْعَدَمَ هُنَاكَ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا قَائِمًا مَقَامَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ اتِّحَادَ السَّبَبِ كَاتِّحَادِ الْمَحِلِّ، وَهُنَاكَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ إذَا كَانَ الْفَائِتُ بَعْضَ الْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute