للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِنُقْصَانِ ذَلِكَ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ جَابِرًا لِذَلِكَ النُّقْصَانِ. وَشَبَّهَ هَذَا بِمَنْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرَةِ إنْسَانٍ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْ الْقَاطِعِ بِمَا نَبَتَ؛ لِأَنَّ النَّابِتَ مِلْكُ الْمَضْمُونِ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهَا فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَرْشَ فَرَدَّهَا مَعَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مِلْكِ الْمَضْمُونِ لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُؤَدِّيًا لِلضَّمَانِ بِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهَا فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى أَوْ صَارَتْ مَهْزُولَةً ثُمَّ سَمِنَتْ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ انْعَدَمَ سَبَبُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إفْسَادُ الْمَنْبَتِ لَا مُجَرَّدُ الْقَلْعِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَفْسَدَ الْمَنْبَتَ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ نَبَاتُ السِّنِّ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْغَاصِبِ شَيْءٌ أَيْضًا، وَهُنَا السَّبَبُ وَهُوَ النُّقْصَانُ قَائِمٌ مُشَاهَدٌ، وَالْوَلَدُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِقِيمَتِهِ لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَتَخَيَّرْ بِهِ فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مُنْعَدِمٌ هُنَا حُكْمًا، وَالنَّابِتُ حُكْمًا كَالثَّابِتِ حِسًّا أَوْ أَقْوَى مِنْهُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ خَلَفٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ بِالْوِلَادَةِ بِطَرِيقِ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَهُوَ أَنَّ الْوِلَادَةَ أَوْجَبَتْ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ مَالِيَّةِ الْأَصْلِ وَحُدُوثَ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ فَلَمْ يَكُنْ مَالًا بَلْ كَانَ عَيْبًا فِي الْأُمِّ أَوْ كَانَ وَصْفًا لَهَا، وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا مَقْصُودًا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَالسَّبَبُ الْوَاحِدُ مَتَى أَثَّرَ فِي النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ كَالْبَيْعِ لَمَّا زَالَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَدْخَلَ الثَّمَنَ فِي مِلْكِهِ كَانَ الثَّمَنُ خَلَفًا عَنْ مَالِيَّةِ الْمَبِيعِ لَهُ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْأَرْشُ خَلَفٌ عَنْ مَالِيَّةِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ، فَكَمَا يَنْعَدِمُ النُّقْصَانُ إذَا رُدَّ ذَلِكَ الْجُزْءُ بِعَيْنِهِ بِأَنْ غَصَبَ بَقَرَةً فَقَطَعَ جُزْءًا مِنْهَا، ثُمَّ رَدَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مَعَ الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ يَنْعَدِمُ النُّقْصَانُ بِرَدِّ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ عَنْ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَصْلُ السِّمَنِ وَالسِّنِّ، فَإِنَّ الْحَادِثَ هُنَاكَ يُجْعَلُ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ بِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مَحَلِّ النُّقْصَانِ، وَتَأْثِيرُ السَّبَبِ فِي الْخِلَافَةِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمَحِلِّ، فَإِذَا جُعِلَ بِاتِّحَادِ الْمَحِلِّ هُنَاكَ الْحَادِثُ خَلَفًا عَنْ الْفَائِتِ حَتَّى يَنْعَدِمَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ فَهَذَا أَوْلَى، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِهِ، فَإِنَّا لَا نَجْعَلُ الْغَاصِبَ مُؤَدِّيًا لِلضَّمَانِ بِرَدِّ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ نُبَرِّئُهُ بِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ، فَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ سَبَبُ الضَّمَانِ بِرَدِّ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْمَرْدُودُ مِلْكُهُ يُقَرِّرُ هَذَا الْمَعْنَى.

(فَإِنْ قِيلَ:) كَيْف يَسْتَقِيمُ هَذَا، وَالْوَلَدُ يَبْقَى مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَعْدَ انْعِدَامِ النُّقْصَانِ. (قُلْنَا:) لِأَنَّهُ فِي الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا إنَّمَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ بِكَوْنِهِ مُتَوَلِّدًا مِنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ بَاقٍ، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>