فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، وَأَمَّا الْغَصْبُ بَعْدَ الْغَصْبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ.
قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ النَّوَادِرِ بَيَانَ الْخِلَافِ فِي الشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا الْغَاصِبُ وَأَكَلَهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا زَائِدَةً، وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَحُكْمُ الِاسْتِهْلَاكِ فِي الدَّوَابِّ، وَحُكْمُ الْغَاصِبِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ حَالًا، وَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ بِهِ، فَالِاسْتِهْلَاكُ وَإِنْ تَحَقَّقَ، فَلَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فِي الْآدَمِيِّ، فَإِنَّ حُكْمَ ضَمَانِ الْقَتْلِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ ضَمَانِ الْغَصْبِ فَكَانَ اعْتِبَارُ السَّبَبِ الثَّانِي مُفِيدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا بَاعَهَا، وَسَلَّمَهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّا نُثْبِتُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَعْدَ الْغَصْبِ، وَهُنَاكَ الزِّيَادَةُ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا إلَّا أَنْ تَصِيرَ مَضْمُونَةً بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ، وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا سُلِّمَ لَهُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ، فَلَا يُسَلَّمُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا، فَلِهَذَا اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ.
(رَجُلٌ) غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْجَارِيَةِ مَعَ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَقَدْ فَاتَ جُزْءٌ مَضْمُونٌ مِنْهَا، وَلَوْ فَاتَتْ كُلُّهَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا، وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا فَعَلَيْهِ رَدُّهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَالِكَ الْأَصْلِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي الْوَلَدِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمُؤْنَةِ الرَّدِّ فِي الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَدَّهُمَا وَفِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ مِنْ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ شَيْئًا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِالنُّقْصَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ مِنْ النُّقْصَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ هُوَ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مَضْمُونٍ مِنْهَا، فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْإِسْقَاطُ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ بِرَدِّ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَدَاءُ الضَّمَانِ مِلْكُ غَيْرِ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لِجُبْرَانِ مَا فَاتَ عَلَيْهِ، وَمِلْكَهُ لَا يَكُونُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ بِالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَالْفَائِتُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَمَانَةُ خَلَفًا عَنْ الْمَضْمُونِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ آخَرُ فِي يَدِهِ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute