اتِّحَادَ هَذَا الشَّرْطِ كَالْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمْ لَا يُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِالتَّرَاضِي كَانَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ، وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ لَا يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ يُجْعَلُ الْمَأْخُوذُ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِيَدِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَفِيمَا تَلَا مِنْ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ الْأَكْلَ بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ جَائِزٌ لَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَازُ مَقْصُودًا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَعْنَى التِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ يَنْدَرِجُ هُنَا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْمَالِكَ هُنَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَظْهَرَ الْعَيْنُ فَيَأْخُذَهَا.
فَحِينَ طَالَبَ بِالْقِيمَةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ انْعِدَامَ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ، فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ رَاضِيًا بِالشَّرْطِ كَمَا يَكُونُ رَاضِيًا بِمَطْلُوبِهِ.
(رَجُلٌ) غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ، ثُمَّ حَضَرَ صَاحِبُهَا فَادَّعَاهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ذُو الْيَدِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا، وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ تَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ فِيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَلَا يُصَدِّقُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمَا، وَلَكِنَّهُ مُصَدَّقٌ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً فِي يَدِهِ، وَأَنَّهُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ بِفِعْلِهِ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ (قَالَ:) وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعُقْرِ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْعُقْرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَهِيَ مَغْصُوبَةٌ فِي يَدِهِ، وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، كَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَقَدْ اُحْتُبِسَ عِنْدَهُ بِفِعْلِهِ كَالْأُمِّ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ بِالْمَبِيعِ أَوْ يُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى الْمَغْرُورِ عُقْرُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَيْهِ إنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الْمُقِرِّ.
وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ إلَّا بِمَنْعٍ مِنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ رَدُّهُ لِحُرِّيَّتِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِمَوْتِهِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الْعُقْرِ وَلَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ غَصَبَهَا هَذَا مِنْهُ، قُضِيَ لَهُ بِهَا وَبِوَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُقْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute