وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ صَارَ إنْكَارُهُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَقَدْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ غَصَبَهَا وَلَمْ يُقِرَّ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ فَأَرَدْتُ أَنْ يَقْضِيَ بِالْجَارِيَةِ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، هَلْ يَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهُ وَلَا أَذِنْتُ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَدَّعِ ذُو الْيَدِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (قَالَ:) لَا أَسْتَحْلِفُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ لَا لِتَهْيِيجِهَا، وَلِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ذُو الْيَدِ ذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْلَافِ، وَإِذَا ادَّعَاهُ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ.
(وَرُوِيَ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذُو الْيَدِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِقَضَاءِ نَفْسِهِ. وَإِنْ أَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ أَخَذَ رَبُّ الْجَارِيَةِ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلِأَنَّ إجَازَةَ الْبَيْعِ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ.
فَإِنْ تَصَادَقَ الْأَوَّلُ وَالْجَارِيَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهَا قَبْلَ هَذَا الْبَيْعِ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِمَا أَثْبَتَ مِنْ الْبَيْعِ وَإِجَازَةِ الْمَالِكِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ مِلْكِهِ، وَلَكِنْ إنْ أَقَامَتْ الْجَارِيَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا هَذَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ حُرِّيَّتَهَا بِإِعْتَاقِ مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا بِالْحُجَّةِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْعُقْرُ لِلْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهَا بِالْبَيِّنَةِ فَيَنْفَصِلُ الْوَلَدُ عَنْهَا حُرًّا بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا بِالْغُرُورِ، فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ.
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ جَاءَ أَخُوهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَهُ قَضَيْتُ بِهَا لَهُ، وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَالْعُقْرِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ هُنَا بِسَبَبِ الْغُرُورِ لَا بِسَبَبِ مِلْكِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ ابْنُ الْأَخِ عَلَى عَمِّهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ، وَهُنَا الْوَلَدُ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي حَتَّى يُجْعَلَ عِتْقُهُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ فَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ، بِهِ قَضَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَجْلِ الْغُرُورِ، وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ بِمَا نَالَ مِنْ لَذَّةِ الْوَطْءِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
(رَجُلٌ) غَصَبَ جَارِيَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ ذَبَحَ الْوَلَدَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ حَتَّى إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ يَوْمَ مَاتَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالذَّبْحِ أَوْ الِاسْتِخْدَامِ حَتَّى مَاتَ مِنْهُ، وَصَارَ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute