للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْتَ الدَّابَّةِ فِي يَدِ مَالِكِهَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ دُونَ النَّفْي.

(فَإِنْ قِيلَ:) سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ ظَاهِرٌ فَهُوَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا يُبَرِّئُهُ عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ الرَّدُّ، فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ (قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنَّ ثُبُوتَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ بَيِّنَةِ الْمَالِكِ عَلَى هَلَاكِهَا مِنْ رُكُوبِ الْغَاصِبِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَكِبَهَا بَعْدَ الرَّدِّ فَمَاتَتْ مِنْ رُكُوبِهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا بَيِّنَتَهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شُهُودُ صَاحِبِهَا أَنَّ الْغَاصِبَ قَتَلَهَا أَوْ أَنَّهُ هَدَمَ الدَّارَ، وَشُهُودُ الْغَاصِبِ أَنَّهُ رَدَّهَا إلَيْهِ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الرَّدِّ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْغَاصِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَدَمَ الدَّارَ بَعْدَ الرَّدِّ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ فَيَجِبُ قَبُولُ بَيِّنَةِ صَاحِبِهَا فِي إثْبَاتِ سَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ لِلضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ بَيِّنَتُهُ تَنْفِي ذَلِكَ السَّبَبَ، فَأَمَّا إذَا أَقَامَ صَاحِبُهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِهَا كَمَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بَعْدَ الرَّدِّ يَتَحَقَّقُ فَصَاحِبُهَا بِبَيِّنَتِهِ يُثْبِتُ سَبَبَ ضَمَانٍ مُتَجَدِّدٍ، وَهُوَ غَصْبُهُ إيَّاهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْضِي لَهُ بِالضَّمَانِ لِهَذَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ هُنَا لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الرَّدِّ وَسُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ بِهِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي بَيِّنَةِ صَاحِبِهَا هُنَا إثْبَاتُ سَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا شَهِدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ، وَقَدْ عَلِمُوا الْغَصْبَ فَاسْتَصْحَبُوا ذَلِكَ، وَشَهِدُوا أَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَشُهُودُ الْغَاصِبِ عَلِمُوا الرَّدَّ، وَقَدْ عَلِمُوا الْغَصْبَ فَشَهِدُوا بِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ الْقَتْلَ وَالْهَدْمَ وَالْإِتْلَافَ مِنْ الرُّكُوبِ سَبَبٌ مُتَجَدِّدٌ لَا يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعَايِنُوهُ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِمْ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ.

(وَإِذَا وَهَبَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ لِرَجُلٍ فَلَبِسَهُ حَتَّى تَخَرَّقَ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَنَا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ حِينَ أَوْجَبَ الْمِلْكَ لَهُ بِالْعَقْدِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَهَبُ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ ضَمَانٌ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ، وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْأَكْلِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَلَحِقَهُ ضَمَانٌ بِسَبَبِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، فَأَمَّا الْمَغْرُورُ قُلْنَا: مُجَرَّدُ الْغُرُورِ بِالْخَبَرِ لَا يُثْبِتُ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ كَمَنْ أَخْبَرَ إنْسَانًا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَالَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ طَيِّبٌ، وَكَانَ مَسْمُومًا فَتَنَاوَلَهُ فَتَلِفَ.

وَإِنَّمَا الْغُرُورُ فِي عَقْدِ الضَّمَانِ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلرُّجُوعِ لِمَعْنَيَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ بِعَقْدِ الضَّمَانِ يَسْتَحِقُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ، وَلَا عَيْبَ فَوْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>