بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ فَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ لَا تُضْمَنُ بِالْعَيْنِ، وَبَيَانُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَرَضٌ يُقَوَّمُ بِالْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ جَوْهَرٌ يُقَوَّمُ بِهِ الْعَرَضُ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَنَافِعُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ، وَالْعَيْنُ تَبْقَى أَوْقَاتًا، وَبَيْنَ مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ، وَالْعَيْنُ لَا تُضْمَنُ بِالْمَنْفَعَةِ قَطُّ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مِثْلًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِثْلًا لَهُ أَيْضًا، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تُضْمَنُ بِالْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ حَتَّى أَنَّ الْحَجَرَ فِي خَانٍ وَاحِدٍ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ لَا تَكُونُ مَنْفَعَةُ إحْدَاهُمَا مِثْلًا لِلْمَنْفَعَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ الْإِتْلَافِ.
وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةِ أَظْهَرُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ ضَمَانَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى الْمُرَاضَاةِ، وَكَيْفَ يَنْبَنِي عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ طَلَبُ الرِّبْحِ. (ثُمَّ) ضَمَانُ الْعَقْدِ مَشْرُوعٌ، وَفِي الْمَشْرُوعِ يُعْتَبَرُ الْوُسْعُ وَالْإِمْكَانُ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ التَّرَاضِي فَاسِدًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ جَائِزًا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ الَّذِي لَيْسَ فِي وُسْعِنَا الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي ضَمَانِ الْعَقْدِ، فَأَمَّا الْإِتْلَافُ فَمَحْظُورٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَضَمَانُهُ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْمُتْلَفِ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ.
(فَإِنْ قِيلَ:) يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفَاوُتِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَالزَّجْرِ عَنْ إتْلَافِ مَنَافِعِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ عَلَيْهِ مَظْلُومٌ يَسْقُطُ حَقُّهُ إذَا اُعْتُبِرَ هَذَا التَّفَاوُتُ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمَظْلُومِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الظَّالِمِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ سَقَطَ بِهِ حَقُّ الْمُتْلَفِ عَنْ الصِّفَةِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ أَسْقَطْنَا حَقَّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ عَنْ أَصْلِ الْمَالِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إهْدَارِ أَحَدِهِمَا فَإِهْدَارُ الصِّفَةِ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ الْأَصْلِ (قُلْنَا:) قَدْ أَوْجَبْنَا لِلزَّجْرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ، فَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ لِلْجُبْرَانِ، فَيَتَقَدَّرُ بِالْمِثْلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُنْتَصَفُ مِنْهُ مَعَ قِيَامِ حُرْمَةِ مَالِهِ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى مَا أَتْلَفَ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا مُضَافًا إلَى الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّرْعُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمِثْلِ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ ثَابِتَةٍ فِي حَقِّنَا، وَهُوَ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمِثْلِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ مَعَ أَنَّ حَقَّ الْمَظْلُومِ لَا يُهْدَرُ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى الْآخِرَةِ. وَلَوْ أَوْجَبْنَا الزِّيَادَةَ صَارَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَدَرًا فِي حَقِّ الْمُتْلِفِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْهُ أَصْلًا، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْكَفِّ عَنْ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ أَعْدَلَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قَالَ: (أَقَامَ رَبُّ الدَّابَّةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَفَقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ رُكُوبِهِ، وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إلَيْهِ وَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ الْقِيمَةُ)؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يُثْبِتُ عَلَى الْغَاصِبِ سَبَبَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ، وَالْغَاصِبُ يَنْفِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute