بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَوْلِ، وَالْآخَرُ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَأَرَدْت أَنْ تُحَلِّفَ الْغَاصِبَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى رَبّ الثَّوْبِ، وَأُعْطِيهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَرْءِ شَرْعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ.
(قَالَ:) وَلَا أَدْرَأُ الْيَمِينَ، وَلَا أُحَوِّلُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي وَضَعَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْيَمِينَ شَرْعًا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا لِلنَّفْيِ أَوْ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَإِذَا حُوِّلَتْ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِهَذَا الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الشَّيْءِ فِي مَحِلِّهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي شَيْئًا بَلْ حَاجَتُهُ إلَى إثْبَاتِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهُ، وَالْيَمِينُ لَا تَصْلُحُ لِهَذَا. وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ رَبُّ الثَّوْبِ بِذَلِكَ، وَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ فَتَرَاضِيهِمَا عَلَى مَا يُخَالِفُ حُكْمَ الشَّرْعِ يَكُونُ لَغْوًا، فَإِذَا جَاءَ الْغَاصِبُ بِثَوْبٍ زُطِّيٍّ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي غَصَبْتُكَهُ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: كَذَبْتَ بَلْ هُوَ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْهُمَا فِي تَعْيِينِ الْمَقْبُوضِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ يَمِينِهِ، وَقَالَ: (يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا ثَوْبُهُ الَّذِي غَصَبَهُ إيَّاهُ وَمَا غَصَبَهُ هَرَوِيًّا وَلَا مَرْوِيًّا)؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَقْبُوضِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ شَرْعًا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقُولُ كَالْمُودِعِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكِهَا، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ، فَلِهَذَا جَمَعَ فِي الْيَمِينِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا حَلَفَ قَضَيْتُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ بِالثَّوْبِ، وَأَبْرَأْتُ الْغَاصِبَ مِنْ دَعْوَى رَبِّ الثَّوْبِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ. وَعِنْدَ النُّكُولِ لَا يُقْضَى لَهُ بِهَذَا الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي ثَوْبَيْنِ إنَّمَا يَدَّعِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَقَدْ اسْتَحَقَّهُ، فَأَمَّا إذَا حَلَفَ فَهُوَ مَا اسْتَحَقَّ ثَوْبًا سِوَى هَذَا، وَقَدْ كَانَ يَدَّعِي أَصْلَ الثَّوْبِ بِصِفَتِهِ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ بِنَفْيِ دَعْوَاهُ أَصْلَ الثَّوْبِ فَيُقْضَى لَهُ بِهَذَا الثَّوْبِ بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، فَإِنْ جَاءَ بِثَوْبٍ هَرَوِيٍّ خَلَقٍ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي غَصَبْتُكَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: بَلْ كَانَ ثَوْبِي جَدِيدًا حِينَ غَصَبْتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ قَبْضَ الثَّوْبِ حِينَ كَانَ جَدِيدًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، فَإِنَّ صِفَةَ الثَّوْبِ فِي الْحَالِ مَعْلُومٌ، وَعِنْدَ الْغَصْبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْلُومُ فِي نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْغَصْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute