للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ.

فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الثَّوْبِ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَدِيدًا لِإِثْبَاتِهِ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي غَصْبِهِ، وَضَمَانُ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ الصِّفَةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، وَحَلَفَ الْغَاصِبُ، وَأَخَذَ رَبُّ الثَّوْبِ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ جَدِيدًا ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِبَيِّنَةٍ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ، وَيَمِينُ الْغَاصِبِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ بَيِّنَةِ رَبِّ الثَّوْبِ بَعْدَ ذَلِكَ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ مَا قَضَى بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ كَانَ خَلَقًا وَقْتَ الْغَصْبِ، وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ كَانَ جَدِيدًا عِنْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، فَإِذَا قَامَتْ الْحُجَّةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا.

فَإِنْ كَانَ غَصَبَهُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَكَانَ الثَّوْبُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَضَمِنَ لِلْغَاصِبِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِغَصْبِهِ لَا يُسْقِطُ حُرْمَةَ مَالِهِ فَأَصْلُ الثَّوْبِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَالصَّبْغُ لِلْغَاصِبِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَتَعَذَّرَ اتِّصَالُ مَنْفَعَةِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ صَاحِبُ الْأَصْلِ، وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ الْوَصْفِ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَقِيَامُ الْوَصْفِ بِالْأَصْلِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ بِدُونِ غُرْمٍ يَلْزَمُهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الْغُرْمَ فَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ كَمَا غَصَبَهُ، وَيَصِيرُ الثَّوْبُ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ فَيَتَوَصَّلُ الْغَاصِبُ إلَى مَالِيَّةِ حَقِّهِ، وَيَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ هَذَا الصَّبْغَ بِمَا يُؤَدَّى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْغَاصِبُ رَاضٍ بِذَلِكَ حِينَ جَعَلَ مِلْكَهُ وَصْفًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَ الثَّوْبَ فَيَضْرِبُ فِي ثَمَنِهِ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ، وَيَضْرِبُ الْغَاصِبُ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ لَا يَمْلِكَ ثَوْبَهُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ، وَأَنْ لَا يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ، وَعِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُمَا لَا طَرِيقَ لِتَمْيِيزِ حَقِّ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالْبَيْعِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي صِبْغِ غَيْرِهِ فَانْصَبَغَ. إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الصَّبْغِ لِانْعِدَامِ الصَّبْغِ مِنْهُ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُمَا سَوَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا الصَّبْغُ نُقْصَانًا فِي هَذَا الثَّوْبِ، وَقَدْ يَكُونُ لَوْنُ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ نُقْصَانًا فِي بَعْضِ الثِّيَابِ.

وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ: لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ، وَتَرَاجَعَ قِيمَتُهُ إلَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ فِي ثَوْبٍ يَزِيدُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>