للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ، وَيَأْخُذَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الْغَاصِبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نُقْصَانَ قِيمَةِ ثَوْبِهِ، وَاسْتَوْجَبَ الصَّبَّاغُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ خَمْسَةً، وَالْخَمْسَةُ دَرَاهِمُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ.

فَإِنْ كَانَ الْغَصْبُ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَرَبَّاهَا حَتَّى أَدْرَكَتْ وَكَبُرَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّ الْجَارِيَةِ لَمْ يَضْمَنْ لِلْغَاصِبِ مَا زَادَ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ عَيْنِهَا، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا بَيَّنَّا مِنْ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَهُوَ زِيَادَةٌ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ لَا مِنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَخْدَمَهَا بِمَا أَنْفَقَ، وَلِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهَذَا الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ بِهَا مِنْ الرَّدِّ وَإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِذَا غَصَبَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ سَوِيقَهُ، وَضَمِنَ لِلْغَاصِبِ مَا زَادَ السَّمْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ فِي السَّوِيقِ زِيَادَةُ وَصْفٍ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ.

وَكَذَلِكَ الدُّهْنُ إذَا خُلِطَ بِهِ مِسْكُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ دُهْنًا يُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ، فَإِنْ كَانَ دُهْنًا مُنْتِنًا كَدُهْنِ الْبَرْزِ وَنَحْوِهِ أَخَذَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِلْغَاصِبِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمِسْكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ.

وَإِذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ السَّوَادُ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي عَصْرِهِ مِنْ عَادَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ كَانُوا مُمْتَنِعِينَ مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ، وَهُمَا أَجَابَا عَلَى مَا شَاهَدَا فِي عَصْرِهِمَا مِنْ عَادَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلُبْسِ السَّوَادِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمَّا قُلِّدَ الْقَضَاءَ وَأَمَرَ بِلُبْسِ السَّوَادِ، وَاحْتَاجَ إلَى الْتِزَامِ مُؤْنَةٍ فِي ذَلِكَ رَجَعَ وَقَالَ: السَّوَادُ زِيَادَةٌ. وَقِيلَ: السَّوَادُ يُزِيدُ فِي قِيمَةِ بَعْضِ الثِّيَابِ، وَيُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ بَعْضِ الثِّيَابِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ ثَوْبًا يَنْقُصُ بِالسَّوَادِ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهِ فَالْجَوَابُ مَا قَالَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَلَمْ يَخِطْهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَضَمَّنَهُ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ فِي الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَطْعِ كَانَ يَصْلُحُ لِاِتِّخَاذِ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ، وَبَعْدَ مَا قُطِعَ قَمِيصًا لَا يَصْلُحُ لِاِتِّخَاذِ الْقَبَاءِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَصْلُحُ قَبْلَ الْقَطْعِ.

فَكَانَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ وَجْهٍ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ مَالَ صَاحِبُهُ إلَى جَانِبِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْبَقَاءِ وَأَخَذَ عَيْنَ الثَّوْبِ، وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>