للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَتِهِ فَقَالَ الْكَفِيلُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: عِشْرُونَ، وَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: ثَلَاثُونَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قِيمَتُهُ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِالْكَفَالَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ قَوْلُهُ كَالْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِعَشَرَةٍ أُخْرَى فَهُوَ مُصَدِّقٌ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُصَدِّقٍ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْعَشَرَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا عَلَى الْكَفِيلِ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِعَشَرَةٍ أُخْرَى مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قِيمَتُهُ إلَّا عِشْرُونَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ عَشَرَةً أُخْرَى، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ.

(رَجُلٌ) غَصَبَ جَارِيَةً شَابَّةً فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى صَارَتْ عَجُوزًا، فَإِنَّ صَاحِبَهَا يَأْخُذُهَا وَمَا نَقَصَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَقَدْ فَاتَ وَصْفُ مَقْصُودٍ مِنْهَا، وَهُوَ الشَّبَابُ، فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.

وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَهُ غُلَامًا شَابًّا فَكَانَ عِنْدَهُ حَتَّى هَرِمَ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ بَعْضُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْهُ، وَهُوَ قُوَّةُ الشَّبَابِ، وَالْهَرَمُ نُقْصَانٌ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَهُ صَبِيًّا فَشَبَّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِمَا حَدَثَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الشَّبَابِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ نَبَتَ شَعْرُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ جَمَالًا عِنْدَهُ.

فَإِنَّ اللِّحْيَةَ جَمَالٌ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ بِحَلْقِهَا مِنْ الْحُرِّ عِنْدَ اقْتِبَالِ الْمَنْبِتِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَالْغَاصِبُ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا.

وَلَوْ كَانَ مُحْتَرِفًا بِحِرْفَةٍ فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَانَ ضَامِنًا لِلنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَا كَانَ مَقْصُودًا مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَمَا يَزِيدُ فِي مَالِيَّتِهِ

(فَإِنْ قِيلَ:) عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحِرْفَةِ لَيْسَ بِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ فِي الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، وَيَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ عِنْدَ فَوَاتِهِ فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ بِاعْتِبَارِهِ النُّقْصَانَ أَيْضًا.

وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ فَعَفِنَ عِنْدَهُ وَاصْفَرَّ فَقَدْ انْتَقَصَتْ مَالِيَّتُهُ بِمَا حَدَثَ فِي الْعَيْنِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَكَانَ ضَامِنًا لِلنُّقْصَانِ. وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا حَدَثًا فَأَمْسَكَهُ حَتَّى عَفِنَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ طَعَامُ مِثْلِهِ، وَهَذَا الْفَاسِدُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ يَتَضَمَّنُ النُّقْصَانَ، وَالنُّقْصَانُ هُنَا مُتَعَذِّرٌ فَيُصَارُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِتَضْمِينِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَالِكُ بِأَخْذِ الطَّعَامِ الْعَفِنِ فَيَأْخُذُهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ.

(رَجُلٌ) غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا، وَمِنْ آخَرَ عُصْفُرًا فَصَبَغَهُ بِهِ، ثُمَّ حَضَرَا جَمِيعًا فَقَالَ: أَمَّا صَاحِبُ الْعُصْفُرِ فَيَأْخُذُهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ عُصْفُرًا مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَيْنَ مَالٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ صَارَ وَصْفًا قَائِمًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، فَعَلَى الْغَاصِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>