ضَمَانُ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ، وَالسَّوَادُ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ السَّوَادَ فِي نَفْسِهِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ فِي الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا ضَمِنَ لِصَاحِبِ الْعُصْفُرِ عُصْفُرَهُ مَلَكَ الْمَضْمُونَ. وَصَارَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ صَبَغَهُ بِعُصْفُرِ نَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْخِيَارِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ غَصْبُ الثَّوْبِ وَالصَّبْغُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَصَبَغَهُ بِهِ فَفِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِلصَّبْغِ بِمَا صَنَعَ فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ هُنَا أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَلَا يُعْطِيَ الصَّبَّاغَ شَيْئًا، وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ صِبْغِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ صَارَ وَصْفًا لِمِلْكِهِ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَهْلِكًا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَلِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَصْلَ الثَّوْبِ كَانَ مُجِيزًا لِفِعْلِهِ فِي الِانْتِهَاءِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْإِذْنِ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الصَّبْغَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَإِذَا ضَمِنَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصِبْغِ نَفْسِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَغْصُوبًا مِنْ إنْسَانٍ، وَالصَّبْغُ مِنْ آخَرَ وَصَبَغَهُ لِلْغَاصِبِ ثُمَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ، وَلَا يَبْقَى لِصَاحِبِ الصَّبْغِ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ صَبْغَهُ مُسْتَهْلَكٌ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، وَضَمَانُهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَلِلْغَاصِبِ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ الصَّبْغِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ، فَهَذَا الرَّجُلُ وَجَدَ مَدْيُونَ مَدْيُونِهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ خَصْمُهُ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ ضَمِنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ صَبْغٌ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْصَبَغَ ثَوْبُ إنْسَانٍ بِصَبْغِ إنْسَانٍ؛ وَلِهَذَا نُوجِبُ السِّعَايَةَ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ قَدْ احْتَبَسَ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صَبْغٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بَاعَهُ فَضَرَبَ هُوَ فِي الثَّمَنِ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ كَمَا لَوْ صَبَغَهُ الْغَاصِبُ بِصِبْغِ نَفْسِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
فَإِنْ غَصَبَ مِنْ وَاحِدٍ حِنْطَةً، وَمِنْ آخَرَ شَعِيرًا فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا غَصَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، فَإِنَّ تَمْيِيزَ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ مُتَعَسِّرٌ، وَالْمُتَعَسِّرُ كَالْمُتَعَذِّرِ، وَالْمُتَعَذِّرُ كَالْمُمْتَنِعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الْمَخْلُوطِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَخْلُوطُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْخَالِطِ سَوَاءٌ خَلَطَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالشَّعِيرِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهُمَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَا الْمَخْلُوطَ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَا الْمَخْلُوطَ، وَضَمَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَالِطَ مِثْلَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ، أَمَّا فِي الْخَلْطِ بِالْجِنْسِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَكَثَّرُ بِجِنْسِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْخَلْطِ بِغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute