للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَرْغَبُ فِي الْإِسْلَامِ مِمَّا كُنْتُ يَوْمَئِذٍ» وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ.

(وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «وَمَا يُعَارُ رُسُلِي فَهَلَكَ عَلَى أَيْدِيهِمْ» أَيْ اسْتَهْلَكُوهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ: هَلَكَ فِي يَدِهِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ عَلَى يَدِهِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ.

(وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» يَقْتَضِي وُجُوبَ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ.

قَالَ: (وَإِنْ اسْتَعَارَ الدَّابَّةَ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا هَلَكَتْ)؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنْ إنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِقَبْضِهِ إيَّاهَا فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا أَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَانَ مُمْسِكًا لَهَا بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا فَيَضْمَنُهَا كَمَا فِي الْمُودَعِ إذَا طُولِبَ بِالرَّدِّ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى هَلَكَتْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا أَمْسَكَهَا لَا يَضْمَنُهَا مَا لَمْ يُطَالِبْهُ صَاحِبُهَا بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ هُنَاكَ لَيْسَتْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَكِنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ لِيَأْخُذَهَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَنْعٌ يَصِيرُ بِهِ ضَامِنًا، وَهُنَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَإِذَا أَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الرَّدِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مُوجِبُ ضَمَانَ الْمُسْتَعَارِ عَلَيْهِ.

(وَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ الْمَالِكُ وَلَكِنَّهُ أَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ فَجَعَلَ يَنْقُلُ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ أَيَّامًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ الْمَالِكِ مُطْلَقٌ، فَلَا يَنْعَدِمُ حُكْمُهُ إلَّا بِالنَّهْيِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالرَّدِّ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْآجُرَّ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْحِجَارَةَ فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا فَصَارَ غَاصِبًا مُسْتَعْمِلًا بِغَيْرِ إذْنِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ، وَلَكِنَّهُ مِثْلُ مَا عَيَّنَهُ فِي الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ حِنْطَةٍ أُخْرَى، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَهَذَا التَّقْيِيدُ وَالتَّعْيِينُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، فَإِنَّ حِنْطَتَهُ وَحِنْطَةَ غَيْرِهِ فِي الضَّرَرِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ. (وَالثَّانِي) أَنْ يُخَالِفَ فِي الْجِنْسِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ، أَلَا تُرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ الْحِنْطَةِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ دَفْعُ زِيَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>