للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضَّرَرِ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمِثْلُ كَيْلِ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ يَكُونُ أَخَفَّ عَلَى الدَّابَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا دُونَ مَا لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا حَتَّى قِيلَ: لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَحَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْحِنْطَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَطَبًا أَوْ تِبْنًا، فَأَمَّا مِثْلُ ذَلِكَ كَيْلًا مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْحِنْطَةِ.

(وَالثَّالِثُ) أَنْ يُخَالِفَ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَدِيدًا أَوْ آجُرًّا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَدُقُّ ظَهْرَ الدَّابَّةِ فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ حَمْلِ الْحِنْطَةِ، وَتَقْيِيدُ الْمَالِكِ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَوْقَ مَا تَأْخُذُ الْحِنْطَةُ فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا حَطَبًا أَوْ تِبْنًا. (وَالرَّابِعُ) أَنْ يُخَالِفَ فِي الْمِقْدَارِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشْرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ ثُلُثَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَامِلٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ، وَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ تُطِيقُ حَمْلَ خَمْسَةَ عَشْرَ مَخْتُومًا، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لَهَا بِهَذَا الْحَمْلِ، وَالْمَالِكُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي إتْلَافِهَا. وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ، وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ حِمْلَيْنِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَالْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَهُ أَحَدَ عَشْرَ سَوْطًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ ضَمَانُ قَتْلٍ، وَفِي بَابِ الْقَتْلِ الْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْجُنَاةِ لَا عَدَدُ الْجِنَايَاتِ، فَقَدْ تَقْوَى الطَّبِيعَةُ عَلَى دَفْعِ أَلَمِ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا تَقْوَى عَلَى دَفْعِ أَلَمِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ؛ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا عَدَدَ الْجُنَاةِ، وَجَعَلْنَا الضَّمَانَ نِصْفَيْنِ، وَهُنَا تَلَفُ الدَّابَّةِ بِاعْتِبَارِ ثِقَلِ الْمَحْمُولِ، وَثِقَلُ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ فَوْقَ ثِقَلِ خَمْسَةِ مَخَاتِيمَ فِي الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَزَّعَ الضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ ثِقَلِ الْمَحْمُولِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بِهِ عَشْرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً فَطَحَنَ أَحَدَ عَشْر مَخْتُومًا فَهَلَكَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلَمَّا طَحَنَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ انْتَهَى إذْنُ الْمَالِكِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي جَمِيعِ الدَّابَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>