مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا، فَأَمَّا الْحَمْلُ يَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فِي الْبَعْضِ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَفِي الْبَعْضِ مُخَالِفٌ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ وَأَخَذَ إلَى مَكَانِ غَيْرِ ذَلِكَ فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَالتَّقْيِيدُ مِنْ صَاحِبِهَا هُنَا مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ يَخْتَلِفُ بِقُرْبِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِهِ، وَالسُّهُولَةِ وَالْوُعُورَةِ.
وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ كَذَا وَكَذَا ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مَرْوِيًّا أَوْ فَوَهِيًّا أَوْ نُرْمُقًا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْهَرَوِيِّ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّ سَائِرَ أَجْنَاسِ الثِّيَابِ كَالْهَرَوِيِّ فِي الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ. وَكَذَلِكَ فِي الْوَزْنِيَّاتِ مِنْ الْأَدْهَانِ وَغَيْرِهَا كُلُّ تَقْيِيدٍ يَكُونُ مُفِيدًا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا، وَمَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا لَا يُعْتَبَرُ.
(وَإِنْ) اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا هُوَ وَحَمَلَ مَعَهُ عَلَيْهَا رَجُلًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي نِصْفِهَا مُوَافِقٌ، وَفِي النِّصْفِ مُخَالِفٌ، وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ. (فَإِنْ قِيلَ:) أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا، وَحَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا، فَإِذَا رَكِبَهَا مَعَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ أَكْثَرُ. (قُلْنَا:) إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْكُلِّ، وَإِذَا رَكِبَهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِنَفْسِهِ مُخَالِفٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِغَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا لِرُكُوبِهِ لَمْ يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ، وَوَجَبَ الْأَجْرُ إذَا رَكِبَهَا، وَحَمَلَ مَعَ نَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تُطِيقُ حَمَلَ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ مُتْلِفٌ لَهَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ قِيمَتِهَا، ثُمَّ لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا الثِّقَلُ وَالْخِفَّةُ بِأَنْ يَكُونُ الَّذِي حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ أَخَفَّ مِنْهُ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَقْبَحَ وَزْنَ الرِّجَالِ فِي مِثْلِ هَذَا، (فَقَالَ:) أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ يُوزَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ يُوزَنُ قَبْلَ الطَّعَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْخَلَاءِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، فَرُبَّ ثَقِيلٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ إذَا رَكِبَهَا لِهِدَايَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَرُبَّ خَفِيفٍ يَعْقِرُهَا لِخَرْقِهِ فِي ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا الْمُنَاصَفَةَ.
فَإِنْ قَضَى حَاجَتَهُ مِنْ الدَّابَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ بَعْضِ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ عَطِبَتْ؛ لِأَنَّ يَدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فِي الرَّدِّ كَيَدِهِ، كَمَا أَنَّ يَدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فِي الْحِفْظِ كَيَدِهِ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَرُدُّ الْمُسْتَعَارَ بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ وَلِهَذَا يَعُولُهُمْ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهَا دَلَالَةً. وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّهَا إلَى عَبْدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهَا فَهُوَ بَرِيءٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ مَا لَمْ تَصِلْ إلَى صَاحِبِهَا كَالْمُودَعِ إذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ تَصِلْ إلَى يَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute