أَنْ يَفْسَخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَهُوَ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَلَى الشَّفِيعِ.
قَالَ: (رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا فَأَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَلَا يَهْدِمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ هَذَا الضَّرَرِ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْبِنَاءِ لَمْ يَرْضَ بِهَدْمِ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ، فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهَا مَا لَمْ يَفْرُغْ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْأَرْضُ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَالْعَارِيَّةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مِلْكِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ مَتَى شَاءَ، وَصَاحِبُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَمَّا بَنَى عَلَى بُقْعَةٍ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ لَازِمٍ لَهُ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِأَنْ يُهْدَمُ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ شَغَلَ أَرْضَ الْغَيْرِ بِهِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ، وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَنَا (وَقَالَ:) ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْبِنَاءُ لِلْمُعِيرِ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مَبْنِيَّةً لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِهَذَا، وَشُبِّهَ هَذَا بِثَوْبِ إنْسَانٍ إذَا انْصَبَغَ بِصِبْغِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلصَّبَّاغِ قِيمَةَ صِبْغِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: صَاحِبُ الْأَرْضِ غَيْرُ رَاضٍ بِالْتِزَامِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَفِي إلْزَامِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ إضْرَارٌ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِدُونِ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِأَنَّ رَفْعَ الْبِنَاءِ، وَتَمْيِيزَ مِلْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ مِلْكِ الْآخَرِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ، فَإِنَّ تَمْيِيزَ مِلْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ مِلْكِ الْآخَرِ هُنَاكَ غَيْرُ مُمْكِنٌ، ثُمَّ هُنَاكَ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الصِّبْغِ بِدُونِ رِضَاهُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ أَنْ يَأْبَى الْتِزَامَ الْقِيمَةِ لِيُصَارَ إلَى بَيْعِ الثَّوْبِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
فَإِنْ كَانَ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْعَارِيَّةِ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا كَأَصْلِ الْعَقْدِ، فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الْإِعَارَةِ فَكَذَلِكَ بِالتَّوْقِيتِ مِنْهَا، وَبَيَانُ التَّوْقِيتِ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهِ قَبْلَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعِيرَ بِالتَّوْقِيتِ يَصِيرُ غَارًّا لِلْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَرْكِ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ، وَإِقْرَارُ بِنَائِهِ فِيهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي سَمَّى، فَإِذَا لَمْ يَفِ بِذَلِكَ صَارَ غَارًّا لَهُ، وَلِلْمَغْرُورِ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْغَارِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فَهَلَكَ الْمُعِيرُ لَمْ يَصِرْ غَارًّا لَهُ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَعِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute