للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ»، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: عَرَّسْتُ، وَأَنَا عَبْدٌ فَدَعَوْتُ رَهْطًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَأَجَابُونِي فَدَلَّ أَنَّ لِلْعَبْدِ اتِّخَاذَ الدَّعْوَةِ حَتَّى أَجَابَهُ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ زُهْدِهِ.

وَالْعَبْدُ الَّذِي أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِأَدَاءِ الْغَلَّةِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ، فَأَمْرُ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِأَدَاءِ الْغَلَّةِ يَكُونُ إذْنًا نَالَهُ فِي الِاكْتِسَابِ.

(عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ) أَجَرَ دَابَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَنَفَقَتْ تَحْتَهُ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، وَضَمِنَ الرَّاكِبُ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِاشْتِرَاطِهِ الْعِوَضَ لِنَفْسِهِ، وَالْمَأْذُونُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْغُرُورِ كَالْحُرِّ؛ وَلِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ ضَمَانَ الْغَرُورِ كَضَمَانِ الْكَفَالَةِ، وَأَنَّ الْغَارَّ يَصِيرُ كَالْقَائِلِ لِلْمَغْرُورِ: إنْ ضَمَّنَكَ أَحَدٌ بِسَبَبِ رُكُوبِ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ اسْتِيلَادِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ فِي الْبَيْعِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ الْمَأْذُونُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْكَفَالَةِ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ، وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ لِهَذَا؛ وَلِهَذَا لَا رُجُوعَ عَلَى الْمُعِيرِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ صِفَةَ السَّلَامَةِ بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ. ثُمَّ الْعَبْدُ فِي الْتِزَامِ صِفَةِ السَّلَامَةِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهُوَ التِّجَارَةُ كَالْحُرِّ.

وَإِذَا أَعَارَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَبْدًا مِثْلَهُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَهَلَكَتْ تَحْتَهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا غَاصِبٌ لِمِلْكِهِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْآخَرِ، وَالْآخَرُ مُسْتَهْلِكٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعِيرِ لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُعِيرَ رَجَعَ بِهِ مَوْلَاهُ فِي رَقَبَةِ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ صَارَتْ كَسْبَ الْمُعِيرِ حِينَ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّاكِبَ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ لِمَوْلَى الْمُعِيرِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاكِبَ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْمَوْلَى فَبَقِيَ الرَّاكِبُ مُسْتَعْمِلًا دَابَّتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ غَاصِبًا ضَامِنًا.

وَإِنْ اسْتَعَارَ الرَّجُلُ دَابَّةً نَتُوجًا فَأَلْقَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَنِّفَ عَلَيْهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ الرُّكُوبِ الْمُعْتَادِ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْلَى، وَإِنْ ضَرَبَهَا فَفَقَأَ - عَيْنَهَا أَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ بِمَا صَنَعَ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الرُّكُوبِ دُونَ الضَّرْبِ.

وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَوْ طَعَنَ بِالرُّمْحِ فَانْكَسَرَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالِاسْتِعْمَالُ لَا يَكُونُ إلَّا هَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>