وَإِنْ ضَرَبَ بِهِ حَجَرًا فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْمُقَاتَلَةِ بِالسِّلَاحِ، وَالْمُقَاتَلَةُ مَعَ الْخَصْمِ لَا مَعَ الْحَجَرِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّيْفِ الْحَجَرَ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَيْضًا فَكَانَ بِهِ ضَامِنًا.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَعِيرُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ: قَدْ هَلَكَتْ مِنِّي الْعَارِيَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ كَالْمُودَعِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ أَمَانَتِهِ بِمَرَضِهِ.
(وَإِذَا) كَانَ عَلَى دَابَّةٍ بِإِعَارَةُ أَوْ إجَارَةُ فَنَزَلَ عَنْهَا فِي السِّكَّةِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّي فَخَلَّى عَنْهَا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَدْخَلَ الْحِمْلَ فِي بَيْتِهِ، وَخَلَّى عَنْهَا فِي السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّعَهَا حِينَ تَرَكَهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ لَا حَافِظَ مَعَهَا، مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا بِشَيْءٍ، فَإِنْ رَبَطَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ لَا يَجِدُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا غَيَّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ فَنَزَلَ لِيُصَلِّيَ وَأَمْسَكَهَا فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ لَا يُغَيِّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ لِيَكُونَ حَافِظًا لَهَا، فَأَمَّا بَعْدَ مَا غَيَّبَهَا عَنْ بَصَرِهِ لَا يَكُونُ هُوَ حَافِظًا لَهَا، وَإِنْ رَبَطَهَا بِشَيْءٍ بَلْ يَكُونُ مُضَيِّعًا لَهَا بِتَرْكِ الْحِفْظِ فَيَكُونُ ضَامِنًا.
وَإِذَا اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا فِي حَاجَتِهِ إلَى نَاحِيَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْ النَّوَاحِي فِي الْكُوفَةِ فَأَخْرَجَهَا إلَى الْفُرَاتِ لِيَسْقِيَهَا، وَالنَّاحِيَةُ الَّتِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ رُكُوبِهِ إيَّاهَا إلَى مَوْضِعِ السَّقْيِ. (وَلَا يُقَالُ:) إنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِمَنْفَعَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ صَاحِبُهَا، وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي سَقْيِهَا، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْقِيَهَا فِي خُرُوجِهِ إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.
(وَإِذَا) وَجَدَ الْمُعِيرُ دَابَّتَهُ مَعَ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ فَهُوَ خَصْمٌ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ يَدَّعِي رَقَبَتَهَا، وَذُو الْيَدِ فِي مِثْلِ هَذَا خَصْمٌ لِلْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ قَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ: أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الَّذِي أَعَرْتُهَا إيَّاهُ، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِلْمُدَّعِي لَوْ كَانَ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مَنْ قَامَتْ يَدُهُ فِيهَا مَقَامَ يَدِهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا، وَلِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّهُ مُودَعٌ حَافِظٌ لَهَا، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ بَاعَهَا وَصِيَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَخَذَهَا صَاحِبُهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لَهُ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ.
وَإِذَا طَلَبَ الْمُعِيرُ ثَوْبَهُ فَأَبَى الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَدْفَعَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ صَارَ غَاصِبًا، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: دَعْهُ عِنْدِي إلَى غَدٍ فَرَضِيَ بِهِ صَاحِبُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الرِّضَا صَارَ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِعَارَةِ مِنْهُ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute