للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا فَقَالَ: قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَتَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ خَلَطَاهُ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ، غَلَطٌ؛ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ مَتَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطَا، وَلَكِنْ بَاعَا الْكُلَّ جُمْلَةً فَقِسْمَةُ الثَّمَنِ تَكُونُ عَلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْخَلْطِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخَلْطِ وَالْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ سَوَاءً. (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: " وَعِنْدِي " أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ مِثْلِهِ مِمَّا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوطِ مِثْلٌ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ؛ حَتَّى يُمْكِنَ اعْتِبَارُ قِيمَةِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ. فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا، وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّقْوِيمِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا فِي جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مُعْتَبَرًا بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ؛ لِتَعَذُّرِ إمْكَانِ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعِتْقِ لِكَوْنِهِ مُخْتَبِئًا فِي الْبَطْنِ، فَيُصَارُ إلَى تَقْوِيمِهِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ فِيهِ - وَهُوَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ - فَكَذَلِكَ هُنَا يُصَارُ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ - وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْطِ - إلَّا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَلْطَ يُزِيدُ فِي مَالِ أَحَدِهِمَا وَيُنْقِصُ مِنْ مَالِ الْآخَرِ، فَقَدْ تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِهِمَا وَقْتَ الْخَلْطِ؛ لِتَيَقُّنِنَا بِزِيَادَةِ مِلْكُ أَحَدِهِمَا، وَنُقْصَانِ مِلْكِ الْآخَرِ، فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِنْدَ الْخَلْطِ مِلْك كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَيُجْعَلُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْخَلْطِ كَالْبَاقِي فِي الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ، فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْلِطْهُ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ.

(قَالَ) فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخِرِ مِائَةُ دِينَارٍ فَخُلِطَا أَوْ لَمْ يُخْلَطَا؛ فَهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِطَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ خَلْطَ الْمَالَيْنِ فِي النُّقُودِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِي رَأْسِ مَالِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ يَكُونُ هَلَاكُهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّرِكَةِ التَّصَرُّفُ بِهَا، لَا عَيْنُهَا. فَإِذَا اعْتَرَضَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ كَانَ مَانِعًا مِنْ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَ يَكُونُ مُبْطِلًا كَالتَّخَمُّرِ فِي الْعَصِيرِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْكَسَادِ فِي الْفُلُوسِ. وَانْعِدَامُ رَأْسِ الْمَالِ لِأَحَدِهِمَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ كَانَ مَانِعًا، فَكَذَا إذَا اعْتَرَضَ. وَالْمُشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً، هَكَذَا يَقُولُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>