فِي ذَلِكَ غَيْرُ أَمِينٍ، وَلَكِنْ إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا مِثْلُ مَا لَزِمَهُ صَحَّ إلْزَامُهُ إيَّاهُ، وَذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ لَا بِإِقْرَارِهِ. فَكَذَلِكَ هُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ يَلْزَمُ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ مِثْلُ مَا يُدْخِلُهُ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا، فَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ لَا يُدْخِلُ شَيْئًا فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ظَاهِرًا؛ فَلَا يَصْدُقُ فِي إلْزَامِ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ لِإِنْكَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ - وَهُوَ شِرَاءُ الْمُدَّعِي - وَالْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ: «يَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَلِمُوا لَهُ قَاتِلًا». قَالَ: (وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَتَاعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْهَلَاكِ)؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، ثُمَّ هُوَ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْهَلَاكِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَتْبَعُ شَرِيكَهُ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَيَا مَتَاعًا وَقَبَضَاهُ، ثُمَّ قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا لِيَبِيعَهُ، وَقَالَ قَدْ هَلَكَ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ فِي نِصْفِ صَاحِبِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ؛ فَالْقَوْلُ فِي هَلَاكِهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَاهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا الرِّبْحِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ: فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ)؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ لِشَيْءٍ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ. وَلَكِنَّ أَصْلَ الشَّرِكَةِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؛ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا اشْتَرَى، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْمُشْتَرَى.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِأَمْوَالِهِمَا، أَوْ بِوُجُوهِهِمَا، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَتَاعًا، فَقَالَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِهِ: هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا. وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي خَاصَّةً، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِمَالِي لِنَفْسِي قَبْلَ الشَّرِكَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَحَدٍ عَامِلًا لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْمُشْتَرَى ظَاهِرٌ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا. (فَإِنْ قِيلَ): قِيَامُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا النَّوْعِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فِي قَوْلِهِ اشْتَرَيْته قَبْلَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ تَارِيخًا سَابِقًا فِي الشِّرَاءِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّارِيخِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ. (قُلْنَا): نَعَمْ هَذَا نَوْعٌ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute