أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لَهُ وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِقْرَاضِ. وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ قَبْضُ ضَمَانٍ، وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا وَالْوَضِيعَةَ بَيْنَنَا، فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ " فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ "؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ. وَالْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْقَرْضِ فِي النِّصْفِ هُنَا بِمُقْتَضَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، فَمَا يُنْقَدُ فِيهِ الثَّمَنُ يَكُونُ قَرْضًا عَلَيْهِ؛ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، " وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. فَإِذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِهَا لِلْمُعْطَى - اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ -؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ شَرَطَ الْوَضِيعَةَ عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِقْرَاضِ؛ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ شَيْءٌ، فَجَعَلْنَاهُ مُقْرِضًا نِصْفَ الْمَالِ مِنْهُ، وَضَمَانُ الْقَرْضِ يَثْبُتُ بِالْقَرْضِ.
قَالَ: (وَإِذَا جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَكَا بِهَا وَخَلَطَاهَا، كَانَ مَا هَلَكَ مِنْهَا هَالِكًا مِنْهُمَا، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوطَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَمَا يَهْلِكُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ إذْ لَيْسَ صَرْفُ الْهَالِكِ إلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ شَيْءٌ مِنْ الْهَالِكِ أَوْ الْبَاقِي مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لَمْ يَتَحَقَّقْ. وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا، وَالْآخَرُ مَكْسُورًا، فَمَا كَانَ بَاقِيًا مِنْ الصِّحَاحِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُ صَاحِبِهَا، وَالْحَالُ فِي هَذَا قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْهَالِكَ وَالْقَائِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا اخْتَلَطَ مِنْ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا لِيَتَحَقَّقَ الِاخْتِلَاطُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرِكَا بِغَيْرِ رَأْسِ مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ الرَّقِيقِ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا جَائِزٌ). وَهَذَا يُفْسِدُ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً تَارَةً، وَعَنَانًا أُخْرَى، وَالْعَنَانُ مِنْهَا يَكُونُ عَامًّا وَخَاصًّا، كَالْعَنَانِ فِي الشَّرِكَةِ بِالْمَالِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَالتَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ نَوْعٍ خَاصٍّ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَا فِي هَذَا الشَّهْرِ لِأَنَّهُ تَوْقِيتٌ فِي التَّوْكِيلِ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فِي الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا.
قَالَ: (فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَدْ اشْتَرَيْت مَتَاعًا فَهَلَكَ مِنِّي، وَطَالَبَ شَرِيكَهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى شَرِيكِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ، إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ، فَقَالَ: اشْتَرَيْته وَهَلَكَ فِي يَدِي لَا يَصْدُقُ فِي إلْزَامِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إلْزَامِ الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute